جذور القُبح والاستعلاء الصهيوني

 

محمد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

 

قبل أيام جاء البيان المشترك لكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا يدعو إيران إلى الإحجام عن الرد على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية في طهران، ليُظهر لنا عنجهية حكومات هذه الدول الثلاثة الغارقة في وحل الصهيونية حتى النخاع، بحيث إن القتل اليومي لأطفال غزَّة ونسائها وشيوخها، وهدم المدارس والمساجد والمستشفيات على رؤوس مَن فيها لا مانع من أن يستمر، مع منع تام للإشارة إليه بالشجب، أما مواجهة إسرائيل ومعاقبتها فممنوع قطعًا!

هل كُنَّا نننظر كل هذا الدم أن يُسكب، وهذا القتل اليومي البشع أن يجري أمام مرأى ومسمع العالم، حتى نكتشف زيف هذه الحضارة لتلك البلدان الاستعمارية؟

الواقع أن الأمر أبعد من جريان دماء الأبرياء كما نراه اليوم في فلسطين، ويتاخم رغبة عارمة لدى إسرائيل من أجل القضاء على كل من هو "غير إسرائيلي" كعقيدة لا تقبل التبديل، كشفها الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في تحقيقه النفيس عن الصهيونية؛ إذ ذكر لنا أن شريانين يمدان عقلية إسرائيل التوّاقة للغزو والسيطرة، أحد هاذين الشريانين مُستقَى من ملاحم "يوشع" المُحَّرَفة، وغايتها جعل إسرائيل مركزًا للعالم ولتاريخه كحالة تكمن في صلب الديانة اليهودية.

إن الهدف المعلن لهذه العسكرية الضاربة، ليس الدفاع عن إسرائيل؛ بل تفتيت جميع الدول العربية، إنهم يسعون إلى توسعة حدود إسرائيل بالتقتيل والإرهاب لتكون كما رسمها بن جوريون عام 1937م، وفق نص توراتي مُحَّرَف، وهذه الحدود لأرض الميعاد هي من  النيل (في مصر) إلى الفرات (في الشام والعراق).

لقد أضافت النصوص المُحَّرَفة القدسيةَ على المذابح التي ترتكبها الصهيو-أمريكية اليوم في فلسطين، بناءً على فقرات من صنيعة الحاخامات من قبيل: "إن مُدُن هذه الشعوب، قد حكم ربك أن لا ينبغي أن يُدع مخلوقًا حيًا من غير اليهود يعيش فيها. عليك بإبادتهم جميعًا كما أمرك الرب مولاك".

أما الشريان الآخر- كما يذكره جرودي- فيكمن في "طبيعة الغرب الحديثة" التي سقت الصهيونية كؤوس الرغبة المفعمة في السيطرة وقمع غير اليهود. ألا يفسر هذا لنا لماذا تنبري فرنسا وألمانيا وبريطانيا لغض النظر عن هول جرائم إسرائيل الشنيعة وبالمقابل ترعد جيوشها ويبرق سياسيوها وتقض مضاجعهم، لمجرد التفكير في أدنى احتمال وقوع تأديب يطال صهيونيتها الخليعة من كل فضيلة؟

لعل جارودي ينظر إلى القرن 18 و19 من تاريخ أوروبا؛ حيث ضربت العدمية ثم العبثية، وتلاها الإلحاد، بالخصوص في هذه الدول الثلاثة، حتى إن المؤرخ والفيلسوف الأمريكي ويليام ديورانت وصف الإنسان فيها قائلًا: "كان كل شيء يتطور إلّا الإنسان". (قصة الحضارة ص361).

إنَّ أولئك الذين يظنون أن الدماء التي تجري في سكك غزَّة المهدمة بالكامل، ستبقى دماء غزَّة وحدها، لم يقرأوا جيدًا تاريخ صناعة الدولة الصهيونية، أو لم يصَّدقوا ما قرأوا، فكما تم إغفال وجود ذكر لشعب فلسطيني تمامًا عند صياغة السياسة الصهيونية، وعند اتخاذ قرار سلب أرضهم منهم، سيتم يومًا صياغة سياسات شبيهة تجاه كل من هو غير يهودي، ومن المؤسف أننا لا زلنا في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى تنكشف هذه الحقائق المكشوفة سلفًا.

كتب جارودي يقول: "عدم وجود ذكر هذا الشعب، لا في كتاب هرتزل ولا في الاجتماعات التأسيسية للحركة الصهيونية العالمية، هي مُسَّلمة أساسية للصهيونية، تفرَّعت عنها جميع الجرائم اللاحقة، وها هي جولدا مائير تُصرِّح لجريدة صاندي تايمز بتاريخ 15 يونيو 1969 قائلة: "لا وجود للفلسطينيين، وواقع الأمر لا يبدو وكأنه كان ثمة شعب فلسطيني يعتبر نفسه شعبًا فلسطينيًا، كما لو جئنا لطرده والاستيلاء على بلاده، والواقع أنه لم يكن موجودًا أصلًا"، ولكنهم يقاومون، فوجب إقصاؤهم وتقتيلهم كما قتلت أمريكا الهنود الحمر. وعندما سأل آينشتاين، وايزمان الذي كان حينئذٍ أحد قادة المنظمة الصهيونية العالمية: ماذا سيحلُ بالعرب إذا ما أُعطيت فلسطين لليهود؟ أجاب: "أي عرب تعني؟ إنهم لا يعدون شيئًا!". (يُراجع: دراسة في الصهيونية / اليهودية).

أليس من المؤسف أن علينا أن ننتظر أكثر لنشهد- لا سمح الله- هذا اليوم؟!