أرض المدد!

 

د. سالم بن عبدالله العامري

لطالما عُرِفت بلاد اليمن بأنَّها أرض المدد والدعم والعون لنصرة الدين في أحلك الظروف على مر التاريخ، فكلما ضاق الأمر بالمُسلمين يأتي أهل اليمن ليذودوا عن حياض المسلمين وينفسوا كرباتهم وينتصروا لله وللمسلمين عامة.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن في مواضع عدة دلالة منه على أنها أرض مدد لأهل الإسلام، وفي مواضع أخرى عن فضائل أهل اليمن فمن ذلك: أن أهل اليمن هم أهل الإيمان، والفقه، والحكمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية"، ويقول في موضع آخر: "إني لَأَجِدُ نفَسَ الرحمن من جهة اليمن"، وأهل اليمن هم من خيار أهل الأرض، ورجالهم خير الرجال، لا تزلزل أقدامهم عند تزلزل أقدام غيرهم. واشتهروا بشدة البأس ومهارة القتال: "قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍۢ وَأُوْلُواْ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ.."، وهم الذين فُتِحت بأمدادهم الشام والعراق، وبهم ينفس الله الكرب والغمة عن المُسلمين، بكونهم مدد المسلمين وسندهم- بعد الله- عند الشدائد، ولعل ما يؤكد في وصف أهل اليمن بأنهم مدد لأهل الإسلام ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفًا ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم".

أهل اليمن هم جيش الإسلام وجنده البواسل، ركبوا المهالك والأخطار، وأنزلوا بأسهم بالكفار، وفتحوا الأمصار، فقد كانت لهم أيادٍ بيضاء في الفتوحات الإسلامية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد موته في فتوح العراق والشام وبلاد الترك وأفريقية والأندلس حتى وصلوا إلى أبواب فرنسا، وما زالت معالمهم وآثارهم شاهدة على أفعالهم وإنجازاتهم الخالدة في عموم أسبانيا ونواحي أوروبا، واليوم لا يزال أهل اليمن كذلك ترى أفواجهم تهب لنجدة ونصرة أهل الإسلام في كل زمان ومكان، لا يخافون في الله لومة لائم، يذودون عن بلاد المسلمين كل عدو ومرتد، وما هذه الغارات الجوية الأمريكية والصهيونية على اليمن إلا دليل يثبت الخوف الشديد الذي يمثله جند اليمن لليهود وأحلافهم الصليبيين.

هناك في أرض التاريخ، والحضارة ترفرف رايات النصر عاليًا خفاقة، مهيبة في آفاق السماء الرحيب، لتعانق عصر النبوة، وزمن المعجزات. لم تهدأ هتافات النصرة، والعزة، والإباء في كل ميادين وساحات الحرية، والكرامة منذ طوفان الأقصى؛ بل استمرت العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البر والبحر وقصف المدن المحتلة في فلسطين التاريخية، واستهداف السفن الإسرائيلية. يُجدّد اليمنيون عهدهم مع فلسطين مؤكدين ثباتهم مع قضيّتهم ومظلوميّتها حتى النصر، ثابتون على موقفهم الشجاع في زمن الخذلان، والصمت، والقهر، معلنين حالة الاستنفار الشامل شعبيًا وعسكريًا حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار عن غزة.

هناك في رحاب بلاد العرب السعيدة تبدو بشائر الخير، ورياح النصر والتمكين قادمة، وها هي الأيّام تمر والصحائف تُطوى، ليتحقّق وعد الله ورسوله في يمن الإيمان؛ حيث نرى الشعب اليمني الأصيل، متسلحًا بإيمانه، ومعتزًا بمبادئه، يواجه إمبراطوريات الشر والكفر التي تكالبت على أهل غزة وعلى شعب اليمن العزيز، يواجه اليمنيون جيوش الشر، والإجرام بثقة البطل المنتصر ويمرغ أنوفهم في التراب، ويُسقط هيبتهم الكاذبة في الوحل. يبرهن اليمنيون بحكمتهم وإيمانهم أن قضية فلسطين التي يستخدم فيها العدو الصهيوني وشركائه القوة والقتل والتنكيل والاستيطان والتهجير ضد الشعب الفلسطيني لا يمكن إحياء روحها واستعادة بريقها ومجدها إلا بالقوة، فالقوة وحدها هي الطريق لاستعادة الحقوق وتحرير الأرض المنهوبة، والأقصى والمقدسات المستباحة من دنس الصهاينة.

وأخيرًا.. لا يحظى بالتشريف والتكريم إلّا من اصطفاه الله بالإيمان والإخلاص والصدق في القول والفعل، هذا التشريف والتكريم الإلهي الذي اختص الله ورسوله به أهل اليمن دون غيرهم هو بمثابة وسام شرف عظيم يؤكد العلاقة المتينة لليمنيين بدينهم وربهم ورسوله وأوليائه الصالحين، الأمر الذي كلفهم بنصرة الحق والدين ومقارعة الظالمين المستكبرين على مر العصور، يقول المولى عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة: 54).

تعليق عبر الفيس بوك