حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تعمل جميع دول مجلس التعاون الخليجي على منح مزيد من التسهيلات للمستثمرين في دولها؛ سواء أكانوا محليين أو أجانب، وقد شهدت المنطقة تسارعًا كبيرًا في إصدار القوانين التي تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وفي تنافس للمزايا والتسهيلات التي تقدمها لجميع المستثمرين، في الوقت الذي راعت تلك القوانين كيفية التعامل مع المستثمرين المزيفين الذي يأتون إلى المنطقة بحقائب فارغة، ويتلاعبون على المواطنين ويصبحون عالة على الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
ومؤخرًا أصدرت المملكة العربية السعودية نظامًا مستحدثًا للاستثمار يمنح المستثمرين المحليين والأجانب مزيدًا من الحرية المالية في جميع المعاملات التي تهم هذا الشأن، بحيث يدخل هذا النظام حيِّز التنفيذ مطلع العام المُقبل 2025. ويأتي إصدار هذا القرار لتعزيز قيمة الاستثمارات والمشاريع المحلية بالسعودية، مع العمل على توفير مزيد من فرص العمل للسعوديين بعد أن يتم تدريبهم وتأهليهم للعمل في المؤسسات التي يتم إنشاؤها في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ووفقًا للقانون الجديد، فإنَّ المستثمر سوف يتمتع بالعديد من الحقوق؛ منها مساواته في التعامل مع المستثمرين الآخرين، والمساواة في التعامل بين المستثمر المحلي والأجنبي، وذلك في الظروف المماثلة. ويطالب القانون بضرورة معاملة المستثمر معاملة عادلة ومنصفة، وعدم مصادرة استثماره كليًا أو جزئيًا، إلّا بحكم قضائي نهائي، وعدم نزع ملكيته بشكل مباشر أو غير مباشر إلّا للمصلحة العامة ووفقًا للإجراءات النظامية ومقابل تعويض عادل. ومن المزايا الأخرى للمستثمر، إعطاؤه حرية في تحويل أمواله داخل السعودية وخارجها دون تأخير، بما في ذلك تحويل عائدات استثماره وأرباحه وبيعه أو تصفيته عبر القنوات النظامية باستخدام أية عملة معترف بها، والتصرف بها بأي وسيلة مشروعة أخرى. كما يعطي للمستثمر حرية تامة في إدارة استثماره، والتصرف النظامي به، وتملُّك ما يلزم لتسيير أعماله، مع ضرورة حماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السرية له، وتيسير إجراءاته الإدارية وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة له من قبل الجهة المختصة.
وقد طالب النظام المستحدث للمستثمر الجهات المختصة بضرورة مراعاة واتخاذ أية تدابير لتحقيق المصلحة العامة؛ بما في ذلك التدابير اللازمة للوفاء بالالتزامات الدولية للمملكة أو المحافظة على النظام العام أو لاعتبارات الأمن الوطني، ومراعاة الحقوق المنصوص عليها في الفقرات التي وردت في القانون، على أن توفر الجهات المسؤولة للمستثمر- وفقًا لما تحدده اللائحة- أي معلومات أو بيانات إحصائية متاحة، وتقدم له الخدمات اللازمة لتسهيل أية إجراءات متعلقة باستثماره، والسعي إلى معالجة الشكاوى التي يتقدم بها، وفقًا لإجراءات واضحة وشفافة.
وهناك العديد من التغييرات التي يشملها نظام الاستثمار الأجنبي مقارنة بنظام الاستثمار المحدث الجديد؛ حيث يُقصد بالمستثمر المحلي أي شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية يقوم بالاستثمار، ويتمتع بالجنسية السعودية. أما المستثمر الأجنبي فيعُد أي شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية يقوم بالاستثمار، ولا يعدُّ مستثمرًا محليًا وفقًا لأحكام النظام، أي أن تعريف المستثمر في النظام المحدث أكثر شمولًا، على عكس نظام الاستثمار الأجنبي السابق الذي كان يشمل المستثمرين الأجانب فقط. كما يتناول القانون مفهوم رأس المال بين نظام الاستثمار الأجنبي ونظام الاستثمار المحدث؛ حيث حذفت كلمة "الأجنبي" ليكون رأس المال شاملًا للمحلي والأجنبي، كما استبدل نظام الاستثمار المحدث إجراءات الترخيص بالتسجيل، لإضفاء المرونة في الإجراءات للمستثمرين، وتحفيز الاستثمارات وفقًا للضوابط والإجراءات النظامية في هذا الشأن، وتوفير وسائل تسوية النزاع وتطبيق النظام المحدث على المستثمرين المحليين والأجانب.
ويأتي إصدار هذا النظام بالسعودية من أجل تسريع وتيرة الاستثمارات الأجنبية، ورفع مستوى مشاركة مؤسسات القطاع الخاص في الاقتصاد، مع العمل على حماية أموال المستثمرين من المصادرة ونزع الملكية وكذلك حماية الملكية الفكرية. والهدف من ذلك كله هو تعزيز الشفافية، وتبسيط إجراءات الاستثمار، وتخفيف القيود، وحل النزاعات وتحقيق تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة بين المؤسسات والشركات الداخلة في تأسيس هذه المشاريع.
وتأتي هذه الخطوة السعودية في ضوء تراجع قيم تدفقات الاستثمار الأجنبي لتبلغ عام 2023 نحو 19 مليار دولار، وأقل من هدف عام 2022 والبالغ 22 مليار دولار، في الوقت الذي تستهدف فيه الحكومة السعودية وصول التدفقات إلى 29 مليار دولار في العام الحالي 2024، كما تهدف لجذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر سنويًا بحلول عام 2030، في الوقت الذي قامت السعودية بإصدار العديد من الأنظمة، ضمن سلسلة إصلاحات تنظيمية وتشريعية، تتعلق ببيئتها الاستثمارية والإصلاح الاقتصادي لتحقيق رؤية "المملكة 2030".