معادلة الوقوف على رجل ونصف

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

بالبث الحي المباشر يواصل الكيان الغاصب لفلسطين، عملية الإبادة الجماعية في غزة.. العالم يشاهد أكبر مأساة إنسانية، في غضون هذا المشهد تتحرك رمال العلاقات والتحالفات، ويحاول قادة الكيان تحويل المنطقة إلى قنبلة موقوتة إن صح التعبير لقيام حرب شاملة، بمساعدة الإنجيليين "دواعش أمريكا والغرب"، أصحاب الخطى الصليبية، فهم أيضاً يصبون الزيت على نار إشعالها..

الشرق الأوسط على حافة الهاوية، بعد أن أشعل شرارة الانفجار، رئيس الكيان الغاصب، باغتياله "لقائد من حزب الله في الضاحية الجنوبية، واختياره العاصمة الإيرانية طهران لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقيامة بغارة على ميناء الحديدة في اليمن. عندما نقرأ التاريخ نجد أنه رغم أن السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى، حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته، أثناء زيارتهما لسراييفو، من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب، إلا أن الحرب بدأت أوروبية وانتهت عالمية، وحادثة الاغتيال مهدت لتغييرات سياسية كبيرة، وتوتر في العلاقات الدولية، صراعات على النفوذ، تزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية، لاقتسام النفوذ عبر العالم والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي، والتزود بالمواد الأولية، فضلا عن دخول الدول الإمبريالية في تحالفات سياسية وعسكرية، أدت إلى سباق تسلح بين الدول المتنافسة التي رفعت من نفقاتها العسكرية، فهل اكتملت دائرة التاريخ لقيام حرب كونية ثالثة؟

ما حدث ويحدث في المنطقة أمر له أبعاد متعددة، ومن الصعب الإحاطة بكل ما يحمله من نتائج.. لكن ما أشرنا إليه في مقدمة المقال قد يغطي الكثير من الأسئلة والإشكاليات، بعضها سياسي والبعض الآخر قراءة لما يحصل في الميدان، أو حتى دلالات ما نشاهده مباشرة من وجوه متعددة.. المخيف في هذه المشاهد هو إمكانية اشتعال فتيل حرب شاملة، يكون مسرحها الرئيس منطقة الشرق الأوسط، فالأحداث الجارية بمثابة قنبلة قد دقت ساعتها نتيجة للصراعات في العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية، بعد أن حطمت المقاومة ثقة مخلب الغرب المتقدم.

إن 7 أكتوبر 2023، جعل الكيان الصهيوني يعاني مجددا شعور فقدان الثقة بالنفس الذي لازمه منذ اصطناعه في المنطقة من قبل القوى الغربية، فقدان الثقة هذا هو السبب الذي يكمن وراء الهجوم الوحشي على قطاع غزة، الهدف إبادة الرجال والنساء والأطفال، والرضع، والبهائم، واتلاف الأملاك، بحسب وصايا التوراة المحرفة، وذلك بسبب الصدمة التي أحدثها أبطال كتائب القسام.. والمقاومة في غزة عندما قامت بعملية 7 أكتوبر كان هدفها نصرة الإنسانية، بعد أن تملك الفلسطينيين الإحباط واليأس من علاقات دولية منحازة، انهارت فيها القيم والمثاليات، سادتها الحروب والتجربة بين الموت والبقاء.

قد يكون من الصعب استشراف مآلات وارتدادات ما يقوم به رأس الكيان خائر القوى من أفعال إجرامية.. غير أن نظرة سريعة للأحداث، تظهر الدور البارز لتلك الأفعال في إشعال فتيل حرب كبرى قادمة، لا سيما في ظل علاقات دولية تغيب فيها القيم والأخلاق، يسودها التوحش والجشع.. ربما يمكن القول إن تاريخ أثر هؤلاء القوم على إشعال الحروب، وإثارة الفتن، يعود إلى عصور أسلافهم الأوائل، فعندما نبحث في أقدم الحروب والجرائم، في الغالب نرى أن معتقداتهم ونظرياتهم قد لعبت دورا مباشرا في قيام أحداث كبرى في العالم، نستنتج أن رأس الكيان بمعتقدات أسلافه، يحاول خلق بطولات وهمية وأسطورية له شخصيًا، خلاصة ما يريد رسم صورة نمطية لتراجيديته الواهية في خلق ملاحم بطولية، وعندما نقترب من عصور أسلافه، نرى أن دائرة التوجه نحو الأماني في معتقداتهم الواهية. لذا نستطلع مغزى الإجرام والمذابح، وإشعال فتيل الحروب عندما تزداد اتساعًا بعد التطورات التي شهدتها المنطقة، ولا سيما في أعقاب الرعونة التي ارتكبها طالب الكيان الفاشل، في اليمن ولبنان وطهران، ظهرت على السطح علاقات دولية من نوع آخر، وبرزت مواقف مثالية داعمة للقضية الفلسطينية.

ومن جهة أخرى، شهدت المنطقة نقلة نوعية في فرض معادلات جديدة في العلاقات، نتج عنها توحد الساحات والجبهات، فقارعت المقاومة الكيان بغضب، لكن بعقل وحكمة، فواجهت حربه العبثية الدامية ومآسيها.. بالرغم من أن قيادات الكيان اللقيط يفخرون بإجرامهم في حق الفلسطينيين، مستندين لدعم حلفائهم وأعوانهم الصهاينة، إلا أن المقاومة تمكنت من جعل كيانهم كله يقف على رجل ونصف، كمعادلة جديدة، في منطقة تشهد ظهور اشتعال فتيل حرب كونية ثالثة، في ظل علاقات دولية تنظر إلى المذابح الجماعية في غزة، من منطلقات أو ذرائع الكيان الغاصب فحسب.

لقد أجبرت تلك الأفعال الإجرامية المقاومة والأحرار على فرض معادلات جديدة في العلاقات الدولية، لوقف الإبادة الجماعية التي يتسبب بها رأس الكيان الصهيوني، وهو يبكي فوق أجساد قتلاه.. هل اكتملت دائرة التاريخ لقيام حرب كونية ثالثة؟!، أم سيلجم طالب الكيان الفاشل بالمعادلة التي فرضتها المقاومة بعلاقات دولية جديدة؟!

تعليق عبر الفيس بوك