التعليم ولهيب الصيف!

 

غنية الحكمانية

انتهى العام الدراسي بكلّ تفاصيل سير عمليته التعليمية المرسومة على مرّ فصلَين تشابكت معهما بعض التقاطعات، وبجهود بُناة الأجيال المعهودة تمّ سدّ الفاقد التعليمي واجتياز التحديّات والعوائق. ولم تمضِ إجازة نهاية العام إلا وتمّ إمضاء التقويم السنوي الجديد للعام الدراسي 2024/ 2025، به تحديد مواعيد الدراسة والامتحانات والإجازات، والتكرار مجدَدا لمنتصف يوليو اللهيب لإنهاء مواعيد الدراسة وإتمام متطلباتها.

إنّ تجربة هذا الصّيف كافية لصعوبة خوض الدراسة فيه كالمعتاد، فالحرارة في أوجّ حممها تلفح العقول والأجساد، تحرم الطلبة من استيعاب المزيد والمعلمين من إضافة الجديد، والطاقة لدى المعلم تقلّ لكنها تزداد عنفوانا لدى الطلبة، فلا أجهزة التكييف تشفع ولا المبنى المدرسي المكشوف ينفع، ولا الحافلات المدرسية المتهالكة بعضها هي الأخرى تسرّ الحال وتُقنع؛ فالهواء الخارجي أكثر لطفاً من التكييف بداخلها. إضافة إلى الرّعاف المنتشر بين ممرات المدرسة، وحالات الإغماء والإعياء في ساحة الطابور وأحيانًا أثناء الحصص الدراسية. إلى جانب التعرض المباشر للشّمس في وقت انتظار الحافلات المدرسية؛ سواء بفترة الدراسة الصباحية أو المسائية. فالطّلبة يذهبون إلى المدرسةِ كأنهم يشدّون إليها شدًّا، ليس هناك شعور بالحماس ولا إحساس بروح الشغف، فالحرارة أفقدت طعم الدافعية وأكسدت سوق التنافس.

معلومٌ أنّ الطقس الحار يؤدي لحدوث جملة من الاضطرابات والتأثيرات السيكولوجية والعقلية والجسدية، وزيادة في السلوك العدواني والعنف والتهيج وارتفاع في مستوى التوتر والقلق والاكتئاب، وتشتت في الانتباه وفقدان في التركيز وضعف في القدرة على التعلم، وانخفاض في  ضغط الدم وزيادة في خفقان القلب وتدهور في صحة الجسد.

وكما يؤثر الإجهاد الحراري على الدراسة، فكذلك يؤثر سلبًا على أداء الطلبة في الامتحانات، وقد أشار الباحثون في دراساتهم إلى أن هناك علاقة قوية بين ارتفاع درجات الحرارة وتدني أداء الطلبة في المدارس والامتحانات، وذلك بانخفاض متوسط الأداء ومعدل الإنتاج، وهبوط في الاستيعاب والتحصيل وصعوبة في التركيز؛ فاستعياب المعلومة يكون بطيئًا في الحرارة المرتفعة، والأفكار تكون مصابة بالتشويش والضبابية. ويبدو أنَّ التوقعات بزيادة فترات الموجات الحارة في السّنوات المقبلة، واستمرار السّخونة والاحترار العالمي لفترة أطول وأكثر حدّة بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتغيرات وتحولات المناخ.

إنّ المحافظة على الزّمن الفعلي للتعلم يكون بمقابل تهيئة مبنى دراسي مُغلق ومُكيَّف ومُتكامل الأركان وتأهيل بيئة مثالية للتدريس طوال العام الدّراسي، بيئة محفزة ومشجعة وملهمة للتعلم والتفاعل والمشاركة؛ فمعدّات التكييف ذات التهوية الجيدة ودورية الصيانة والفحص المُستمر لها ضمن صنوف العوامل التي تؤثر على جودة وفاعلية البيئة التعليمية، إلى جانب خلق مناخ فصلي جاذب مدعم بالتقانة التكنولوجية والاستراتيجيات المتنوعة والوسائل التفاعلية؛ لاكتساب أكبر قدر من المعارف والعلوم والمهارات وتحقيق أفضل مكسب مستدام من التميز والإبداع والإنجاز، فتلك البيئة تؤثر بشكل كبير على تعلم وأداء وسلوك الطلبة.

وتشير الأبحاث إلى أنَّ نطاق درجة الحرارة المثالي للتعلم الأمثل يتراوح بين 20 درجة مئوية و24 درجة مئوية، ويزداد تأثير الحرارة أكثر على الاستيعاب إذا بلغت 38 درجة مئوية.

فماذا لو رجعنا لآلية ومخرجات النظام التعليمي السّابق وحسابِ التقويم الزمني الماضي، من حيث عدد الحصص والفترة الزمنية وكمّ المنهاج والطاقة الاستيعابية للطلبة بالفصل الدراسي. كان التحصيل والمستوى العامّ للطلبة في نمو وتطور مطرّد من الإجادة والإفادة، والمنهج يلّبي احتياجات المتعلم ومقدّرات الوطن، وتخرّج بواسطته أجيال أكفاء بمهارات وكفايات وقدرات تعليمية وظيفية عالية، وصدّر خبرات تحصيلية أكاديمية وغير أكاديمية يشاد بها إلى سوق العمل. فالتربية قد حققت وظيفتها والطلبة قد أخذوا كفايتهم العلمية والمعرفية وتأسست شخصياتهم على دعائم ومُقومات وقيم ومبادئ متينة.

لذا أصبح من الضّرورة مراجعة التقويم الدراسي وإعادة جدوله الزمني بما يوائم طبيعة المناخ بالسّلطنة. فمقياس الأبنية والمرافق ومساحات التهوية ضمن مقاييس ومعايير إدارة وضبط جودة التعليم؛ التي يجب العمل على تحسين خدمتها وكفاءتها وهندستها. فكلما كانت البيئة التعليمية نموذجية وريادية ارتفعت درجة استقرار وعطاء وإنجاز الطلبة والمعلمين. والتركيز في مكمن المحتوى وحصيلة النتاج لا بإطالة خطّ الزّمن التعليمي واستمراريته. وبنوعية المخرجات وإسهاماتها لا بأعدادها وتكدّسها العاطل.

وختامًا.. إنَّنا على يقينٍ بأنّ وزارة التربية والتعليم ستضع قرار التقويم السّنوي ضمن مخطط دراستها، بإعادة النظر وتأليب المرونة. وتشمل بعنايتها الحريصة المدرسة كَبِناء وتأهيل والمنهج كواقع وتطبيق والطلبة كاستعداد ودافعية والمعلمين كبُناةٍ وقدوة؛ فنجاح العملية التعليمية لن تكتمل بنيتها وصورتها إلا بترابط وتجانس هذه المحاور والعناصر الرئيسية، وذلك بعد تشخيص المعضلات وكشف مواقع الخلل؛ فالكُلّ شريك في تجويد المنظومة التعليمية وتحقيق الرؤية المشتركة لأجل النهوض بجيل على أساسه ينهض المجتمع وتُبنى الدولة.

تعليق عبر الفيس بوك