بداية النهاية

 

ربيع دندشلي

عاد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن حصل على الضوء الأخضر ليوزع اعتداءاته على كل مناطق الشرق الأوسط. 

عاد نتنياهو ممتلئا بـ"هيليوم التصفيق" الذي حظي به في الكونجرس من معظم النواب، ومن دمى بشرية كان دورها الأول والأخير هو التصفيق الحار وملء فراغ النواب الذين قاطعوا الخطاب. 

خرج نتنياهو بمشهد استعراضي من القاعة سعيدًا، ومطمئنًا على عمل "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (AIPAC)، وبأن الأرضية الرسمية الأمريكية لا تزال صلبة من تحته مهما تعاقبت الإدارات وبرزت الخلافات.

بدأت نتائج فائض الثقة والقوة التي تحصّل عليها بالظهور ليلاً مع عملية اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، ومن بعدها فجراً اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، مع احتمال مرتفع لاستكمال مسلسل الاغتيالات طالما أن الغطاء الأميركي واضح. 

وبالتوازي مع زيارة نتنياهو، وفي ظروف غامضة، سقط صاروخ في ملعب كرة قدم في منطقة مجدل شمس في الجولان المحتل، مما أدى إلى مقتل عدد من الأطفال والشباب العرب، وسرعان ما نفى حزب الله علاقته بهذا الحادث، لكن الكيان وقيادته اتهموه بهذه الضربة.

قدمت الولايات المتحدة والمبعوثون الغربيون للبنان مختلف الضمانات للتهدئة، أبرزها حول تحييد بيروت، إلا أن الواقع كان خلاف ذلك حيث نفذ سلاح الجو الإسرائيلي عملية اغتيال في ضاحية بيروت بالقرب من مجلس شورى حزب الله، مستهدفًا أحد أبرز قياداته، وسارعت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للتحذير والتذكير بدعمها لإسرائيل بحقها في الدفاع عن نفسها، وكأن إسرائيل فوق أي قانون.

قد يكون الضوء الأخضر الذي منح لنتنياهو كان بنية إعطائه نصراً يمكنه من إنهاء الحرب وتقديم سردية المنتصر لشعبه عبر مجموعة الأهداف التي حققها منذ بداية الحرب، لكن ما تجاهله الجميع هو نيّة نتنياهو إطالة عمره السياسي وعمر حكومته. شعور النصر الذي حصل عليه مؤخرًا غير كاف ويدفعه للتآمر بمختلف الطرق لإفشال عملية التفاوض. 

لن يكتفي نتنياهو ويركن مهما بلغ عدد ضحاياه وانتماءاتهم، والهروب إلى الحرب هو خياره الأوحد، واستفزاز أعدائه ليردوا عليه فيستطيع أن يلعب دور الضحية ويستجدي الدعم من الغرب هو التكتيك الواضح حاليا.

حسابات نتنياهو تقضي بأن تستجلب ضرباته ردًا إيرانيًا مباشرًا وآخر عبر حزب الله، مما يعطيه المجال ليفتح حربًا واسعة في المنطقة يبدو أنه متعطش لها، ويعمّق دفن مسار التفاوض، إذ إنه كيف يمكن لمن يفاوض ويجري محادثات لتحرير الأسرى ووقف إطلاق النار أن يقتل المفاوض الآخر؟.

تتوجه الأنظار اليوم إلى الرد الإيراني ورد حزب الله، فهل سيكون الرد محدوداً أو مدروساً بعناية كي لا يجر إلى حرب واسعة، ولكن مع حفظ ماء الوجه واستعادة الردع؟ أو سيتخطى الرد التوقعات لتؤكد إيران قوتها وبأنها لا تخشى إسرائيل ولا الحرب، وتثبت قدرتها على ضرب أهداف نوعية، مما يحقق هدف نتنياهو في استفزاز إيران للرد والدخول في حرب معه؟ الإجابة عن مسار المنطقة يتوقف على القرار الإيراني وطبيعته وتحليل نوع الرد الإسرائيلي من بعده.

إن عمر الشعوب لا يقاس بالساعات والأيام، بل بالعقود وما تفعله على المدى الطويل، لحظات تاريخية مفصلية ينتج عنها تحولات اجتماعية وسياسية، وأياً كانت الضربة الإيرانية ومهما حصل في قادم الأيام على الساحة الإقليمية، فإن ذلك لن يمحو ما حصل من تحول إثر عملية السابع من أكتوبر التي نفذتها حماس.د، فذاك اليوم كان بداية نهاية عهد وفتح فصل جديد في الكيان الإسرائيلي، ولطالما روجت إسرائيل لكونها دولة أمنية ومصدرة للأمن في العالم، فإذا بها تُضرب من الباب نفسه. ويعود سؤال الشك ليس فقط من حلفاء إسرائيل، بل من الإسرائيليين أنفسهم، وهو الشك الذي لن يزول إلا مع زوال الكيان. 

منذ السابع من أكتوبر وإسرائيل في حالة من الضياع، إذا لم نقل الانهيار، ولا يبقيها واقفة إلا استجلابها الدعم من عشرات الدول في العالم، وهو ما سيستنفذ رصيدها، ولقد تأكد العالم من جديد أن إسرائيل ليست كياناً مستقلاً قائماً بذاته، بل ذراعاً غربياً لا يعيش دون الدعم الغربي المفتوح، أما الجبهة الداخلية، فهي لا يربطها اليوم سوى الحرب ومعاداة العرب عامة والفلسطينيين خاصة.

هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن النهاية الإسرائيلية الحتمية ليست بالضرورة عبر الحرب مع الآخر، ولكنها قد تكون انهياراً داخليا، هذا العري في المنظومة الإسرائيلية كشفه جهد مجموعة مقاومة صغيرة محاصرة من كل جانب، وهو ما سيدفع الكيان لإعادة النظر في سائر منظوماته الأمنية والعسكرية والاجتماعية، لذلك يمكن التأكيد بأن هذه ليست سوى بداية النهاية. فإن لم تكن بداية نهاية الحرب، فإنها بالتأكيد بداية نهاية الكيان المحتل وقيام الدولة الفلسطينية من جديد.

تعليق عبر الفيس بوك