ألوان الحرباء

 

 

حميد بن حمد السالمي

يُمكن أن نقول بأنَّ الزواج هو انتقال من عالم "الأنا" إلى عالم "نحن"، فأنت أصبحت متعددا، وشريك الحياة أصبح يُمثلك وتمثله، تنتسب إليه وينتسب إليك، تشتركان سويًّا في السمعة والمكانة والقدر والمصير والهدف في الحياة، وعمَّا قريب تشتركان في الإنجاب والتربية، إنَّ العزلة التي كنت تعيشها والنرجسية التي قد تشعر بها غدت الآن من الماضي، ويتحتَّم عليك التعايش مع نمط حياتك الجديد بقبول تام، وستعي كم هي جميلة هذه الحياة مع مرور الوقت.

ومن أجمل ما ستلحظه في حياتك الجديدة هي المفارقات الممتعة، والتي كانت بمنظورك تحمل طابعا سلبيا؛ فالعناد قبل الزواج قد لا يروق لك، مما يلبث أن يصبح العناد عادة، وقِسْ على ذلك الجنون واللامبالاة والنسيان والتجاهل والنزاع والخصام...وغيرها الكثير، ستستمتع وأنت تشعر باتساع دائرة قدراتك وإمكاناتك على استيعاب هذه المفارقات واحتوائك لها واكتسابك لفنون رائعة، وستدرك كم أنت مذهل وذكي في إدارتك لأزماتك، وكم هي الحياة سهلة وممتعة حينما تقابل وجهها الشاحب بابتسامة.

وهذه المفارقات هي مفاهيم في علاقاتنا الجميلة لا ذنب لها؛ فقد كانت تشتعل لتذيب ثلج هدوئنا الممل الذي كاد أن يقتلنا، فما نلبث نحن أن نرمي عليها الزيت الذي يزيدها اشتعالا فتحرقنا ونجد أنفسنا بمفترق طرق كئيب، وقد كان الواجب أن نسترخي على المدفأة وننصت لبعضنا البعض ونرخي الحبل قليلا وقت الشدة ونشده قليلا وقت استرخائه، وبهذه الطريقة يصبح اتصالنا مثمرا ونحافظ على أجواء مفعمة بالاعتدال والتوازن بدون صقيع يجمد أو لهب يحرق.

هناك روتين قاتل يكتنف الحياة الزوجية يجب أن لا نسمح له أن يتمدد ويتسلل بيننا، ثم يقتل جمال لحظاتنا أو يمتد أكثر من ذلك ويقتل أياما وسنوات من أعمارنا؛ فهمنا لاحتياجات بعضنا البعض يعني فهمنا لكيفية كسر روتيننا الممل وتعطيله قبل أن يسرق منا أجمل اللحظات والمواقف، علينا أن نتبادل الأدوار في تحفيز ما يخمد بدواخلنا من مشاعر وأحاسيس، قد تحتاج الابتسامة لكلمة أو للتذكير بموقف، وقد يحتاج الجسد المتعب لفراش مهيأ ليسترخي، وبالإمكان اختيار الوقت المناسب للمشروب. أما الملابس، فيجب أن تُستبدل باستمرار، وقس على ذلك الوجبات والأصدقاء والترفيه والأعمال وغيرها.

تُعلِّمنا الحرباء درسًا جميلًا وفنا رائعا في اقتناص الفرص واستغلال الحالة المزاجية والرغبة الآنية في استبدال ألواننا، كلما سنحت الفرصة حتى نتمكن من الانقضاض على الروتين وقتله، ليتجدد المزاج وتنتعش الروح، وتتهلل النفس وينشرح الصدر، للذهاب بعيدا هناك؛ حيث استعادة النشاط الذهني والبدني واستمرار دورة السعادة والهناء في كنف الحياة الزوجية.

تعليق عبر الفيس بوك