مدرين المكتومية
الكثير منَّا يعيش في هذه الحياة كما يُريد وبالطريقة التي تناسبه فقط دون أن يضع في حسبانه أنَّ هناك الكثيرين يعيشون من حوله وتربطهم به علاقات متنوعة.. فقط يعيش لنفسه دون إدراك أنَّ على عاتقه الكثير من المسؤوليات، فنجد هؤلاء يسرحون ويمرحون كيفما يشاؤون، دون أن يفكروا للحظة أنَّ لديهم مسؤولية تجاه المُحيط الذي ينتمون له، سواء العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء العمل.
وأيضاً الكثير منَّا يعيش منشغلا بواجباته اليومية والحياتية والتي ترتبط بمواصلة العمل لكسب المال، دون إدراك أن هناك أشياء أخرى تستوجب عليهم الانتباه لها وأداء واجبهم تجاهها، وهي مسؤولياتهم تجاه من يعيشون معهم وبينهم، إذ إن الانشغال بالأمور الحياتية يُفقدنا شيئا فشيئا بعض الصفات والقيم الإنسانية التي يجب أن نتحلى بها، لكي نحافظ على الروابط الإنسانية والاجتماعية.
إن مصطلح المسؤولية يختلف من شخص لآخر، كما تختلف أيضًا قدرة الإنسان على الالتزام بهذه المسؤوليات، فهناك من يمكنه أن يقدم ويبذل ويسعى لتقديم كل ما بوسعه لإسعاد الآخرين، وتقديم كل ما من شأنه أن يجعلهم دائمًا في أحسن حال، وهناك من يجد مسؤوليته تنتهي فقط بتقديم كل الاحتياجات المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، دون التدخُّل في تفاصيل وأسلوب الحياة التي يعيشها من هم مسؤولون منه.
إنَّنا وفي ظل الحياة المتسارعة بمتطلباتها، لم نستطع أن نميِّز بين مسؤولياتنا الحقيقية وبين ما نعتقد أنه ضمن مسؤولياتنا، فوجدنا أنفسنا تائهين بين المسؤوليات والالتزامات وبين الذي لنا والذي علينا، دون أن ندرك حقًا ما الذي يجب علينا صنعه.
إنَّني أتحدث بالطبع عن المسؤولية الحقيقية تجاه البشر الذين ينتمون إلينا وننتمي إليهم؛ حتى لا تنتهي علاقاتنا بالآخرين تحت عذر الانشغال، فنحن نعيش في الحياة بشكل جماعي نعيش ونتعايش مع الآخرين من حولنا لا أن نكون بعيدين عنهم.
إنَّ المسؤولية تحتم علينا زيارة الأرحام، والتواصل المباشر مع النَّاس، وتحتم علينا أيضاً أن ننشغل كل الانشغال بتربية أبنائنا تربية صحيحة، وأن نكون أصدقاء لهم كي لا يبحثوا في الخارج عن الاحتواء، مسؤوليتنا تحتم علينا أن نفكر في حياة أفضل لأنفسنا ولمن حولنا، أن نكون متماسكين وقريبين ممَّن نحبهم، نتواصل معهم ونحتوي جراحهم ونساعدهم على إكمال الطريق، أن نربت على أكتافهم ونشعرهم بأنَّنا معهم دائمًا، حتى وإن كانت لديهم بعض الخصال السيئة، لابد أن نكون دائمًا أفضل من غيرنا في تحمل المسؤوليات.
المسؤولية من وجهة نظري ألا أتركك في منتصف الطريق تعاني وحدك، ألا أتركك تواجه الأمواج العالية والرياح العاتية دون أن أقف بجانبك أمسك بيدك لأقوّيك، ألا أراك تسلك الطريق الخطأ وأتركك وأمضي وكأنني لا أنتمي إليك، ألا نكون أنانيين للدرجة التي تجعلنا نترك الآخر يُواجه الحياة الصعبة وحده.
إننا خلقنا لنكون معاً، فيجب علينا ألا تكون المسؤولية بالنسبة لنا شيئا محدودا، بل هو مصطلح شامل نتقاسم واجباته معًا، إيمانا منَّا بأنَّ كل شيء مبنيّ على الشراكة تكون نهايته النجاح.
وفي نهاية المطاف أقول: إنَّ مسؤولياتنا في هذه الحياة الصعبة تحتّم علينا أن نتشارك مختلف اللحظات معا، وأن يقوي بعضنا الآخر.