انحناء السُّنبلة

 

 

الطليعة الشحرية

 

أنا مِن تُرابٍ وماءْ

خُذوا حِذْرَكُمْ أيُّها السّابلةْ

خُطاكُم على جُثّتي نازلة

وصَمتي سَخاءْ

لأنَّ التُّرابَ صميمُ البقاءْ

وأنَّ الخُطى زائلةْ.

ولَكنْ إذا ما حَبَستُمْ بِصَدري الهَواءْ

سَلوا الأرضَ عنْ مبدأ الزّلزلةْ!

أحمد مطر..

----------

في غزة آلاف السنابل ملَّت الانحناء، فقد نزفت أوردتها لـ75 عامًا، وعلى منصة كونجرس الحُرية دام التصفيق لـ53 ثانية، لا أعلم لماذا يستنكر العالم الحفاوة الزائدة والتصفيق الحار لخطاب نتنياهو أمام الكونجرس، وقد خرجت في وقت سابق العديد من التصريحات اللافتة من بعض كبار الساسة الأمريكيين، منهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون الذي قال في تصريح صحفي: "إسرائيل حليف حيوي لنا، أعتقد أنَّ معظم النَّاس يتفهمون ضرورة هذا التمويل (26 مليار دولار لإسرائيل) إنهم يقاتلون من أجل وجودهم.. بالنسبة لنا نحن المؤمنين هناك توجيه في الإنجيل بأن نقف إلى جانب إسرائيل، وسنفعل ذلك بلا ريب وسينتصرون طالما كنَّا معهم".

ربطت السياسة الأمريكية -وعلى لسان كبار ساستها- إسرائيل بالعقيدة المسيحية البروتستانتية كما أمر بها الإنجيل -وفق اعتقادهم- ومن يتذكر أحداث جامعة كولومبيا حينما استجوبَ عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري ريك دبليو. ألين رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق، حين سألَ نعمت: "لماذا لا تدعم جامعة كولومبيا إسرائيل بشكل كافٍ؟ لنكن واضحين هذا ميثاق قطعه الرب مع النبي إبراهيم وهذا الوعد واضح للغاية: إذا باركتَ إسرائيل سأباركُك، وإذا لعنتَ إسرائيل سألعنك". وأضاف: "وفي العهد الجديد (الإنجيل) تم التأكيد على أنَّ جميع الأمم ستكون مباركة من خلالك. لذا ألم تكوني تعلمين بهذا؟ رئيسة الجامعة: سمعته من قبل، ولكن تمَّ شرحه الآن بشكل أفضل. هو: جيد أن ذلك يبدو مألوفا لديكِ. هل تُريدين أن تكون جامعة كولومبيا ملعونة من رب الإنجيل؟" فأجابت: "بالقطع لا".

تصفيق أعضاء الكونجرس هو إعلان بأنَّ الجميع رهائن لـ"أيباك"، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي مجموعة ضغط تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة. وقد يحتاج الشعب الأمريكي في المستقبل الى حماس أخرى لتُحررهم.

 

السفاح والقرود

ركَّز نتنياهو في خطابه على وضع أمريكا وإسرائيل في كفة واحدة أمام ما سماه "محور الشر الإيراني"، وقال إنه يسعى لتأسيس تحالف مع الأصدقاء في المنطقة ويكون اسمه "تحالف أبراهام"، وإبراهيم بريء من غي الأسباط، أي تحالف هذا يحمل اسماً بهذه المكانة. وكأنه يشطب قاعدة إسلامية أصيلة "إنما المؤمنون إخوة".

التلاعب باستخدام شعارات السامية والعنصرية والعرقية وإلغاء قيمة الأخوة ضربٌ من الحمق. وإذا سلمنا جدلاً بالتلويح المستمر بشعار السامية وأبناء العمومة، فلماذا ترتكب مجازر وتطهير عرقي للشعب الفلسطيني وهم شعوب سامية؟

لماذا يتم التحالف باسم إبراهيم وأبناء إبراهيم يذبحون ويجوعون على أكثر من عشرة أشهر؟ وحصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر إلى 39 ألفا و175 شهيداً، وصفق أعضاء الكونجرس 53 ثانية يباركون الدماء المسفوكة في غزة.

 

الإبراهيمية.. وإبراهيم منها براء

فكرة الإبراهيمية التي تشاع كثيراً ويعدها البعض دينًا رابعًا يجمع بين الأديان الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام، كعامل مشترك كما يرى دعاتها، هي في الحقيقة ليست وليدة العصر بل تعود إلى عصر الرسالة الأول، لما حاول اليهود والنصارى وكفار مكة تمييع دين الإسلام ورد النبي وأصحابه عن دينهم وخلطه بباطلهم؛ ففضحهم الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه، فقال: "ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إنَّ الله على كل شيء قدير" (البقرة).

محاولات تمييع الدين وخلطه بالباطل مستمرة ومحاولات غسل الأدمغة بمصطلحات ومفاهيم فضفاضة باطلة مُستمرة، غزة الكاشفة تفضح أحفاد أبو رغال فقد تكاثروا في الآونة الأخيرة وعاثوا فسادا، يحتاج المرء أحياناً إلى استئصال عضو فاسد لإنقاذ المريض من الموت، وكل ما فعلته غزة كشف مواطن العفن وقد حان قطعها.

أجل.. الكلُّ ينحني لأمريكا، ولكن الثورة قادمة ورياح التغيير لأمريكا ستأتي من الداخل من الشعب الأمريكي بعد أن تُلهمهم حماس غزة لصنع حماس أمريكية، ويحررون أسرى أيباك من براثن الصهاينة، لتعود الحرية لأمريكا التي اغتصبها نيتناهو.

وسينشد الجميع ما قال أحمد مطر:

أجلً إنّني أنحني

فاشهدوا ذلّتي الباسِلَةْ

فلا تنحني الشَّمسُ

إلاّ لتبلُغَ قلبَ السماءْ

ولا تنحني السُنبلَةْ

إذا لمْ تَكُن مثقَلَة

ولكنّها ساعَةَ الانحناءْ

تُواري بُذورَ البَقاءْ

فَتُخفي بِرحْمِ الثّرى

ثورةً.. مُقْبِلَهْ!