"GCC".. العملة الخليجية الموحدة (2-1)

 

 

◄ وجود روسيا عسكريا لا يعني وجودها اقتصاديا أو سياسيا ووجود الصين اقتصاديا لا يعني وجودها عسكريا وسياسيا.. فهل الأفضل أن ينهار النظام العالمي الحالي؟

 

ناجي بن جمعة البلوشي

العالم في تغير متسارع، لا يمكن لنا إيقافه أو التوقف عنه، بل علينا أن نكون في اتجاهه، وركوب موجته التي تتجه إلى مبادئ عالمية جديدة لا تخفى على أحد، لكنها أيضاً ليست واضحة لأحد فيمن سيتوج بها، بيد أنها ستكون متعمقة في الاقتصاد والقوة العسكرية والنفوذ السياسي، أيًّا من يمتلكها فهي ذات المبادئ التي انتهت عندها الحرب العالمية الثانية، وبها حكم العالم من قبل مجموعة من الدول، إن لم تكن دولتان في بدايتها، ثم عند انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1990، بقيت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى الوحيدة في العالم شكَّلت على أثرها النظام العالمي الحالي ليكون هي هو، وهو هي ذاتها، مما مدَّها هذا النظام لتتقاسمه مع حلفائها الأوروبيين أولا (دول الغرب)، وأعطت قليلا من الحرية المحدودة والمشروطة لدول من هنا وهناك كالدول الآسيوية المقابلة لكوريا الشمالية أو دولة الاحتلال المزعومة، لتكون لها القاعدة العسكرية الأكبر على الأطلاق في الأرض مع باقي القواعد العسكرية التي وضعتها في الدول الحليفة لها، ومنها الدول العربية الخليجية، هذا على نطاق القوة العسكرية والنفوذ السياسي. أما من ناحية الاقتصاد، فقد وضعت لكل إقليم مصلحة افتصادية خاصة بها، فتركت بعضًا من تلك الأقاليم أو دولًا معينة بذاتها تنتقل معها في الانتعاش اقتصاديا، والنهوض والسير مع خطى الحضارة الغربية التي تقودها هي والحلفاء المتقدمون عليها حضاريًّا، وأعني هنا دول أوروبا، وهناك مقاييس وضعتها دولة النظام العالمي لهذا النهوض الاقتصادي فنهوض الدول المقابلة لكوريا الشمالية والصين لا يعني نهوضها وحدها، بل هو لأجل وجود قوة اقتصادية منافسة للدولتين؛ مما يعني انشطار دول الإقليم إلى دول لها وجهتان: وجهة باتجاه دول مدعومة من أمريكا ودول منافسة لهذا، وبذلك لا يمكن للدول المنافسة التربع على القوة الاقتصادية في ذلك الإقليم، وهو ما حدث في وجود اليابان وكوريا الجنوبية.

أما في المنطقة العربية، فكانت القوة الاقتصادية دائمًا من نصيب الدول المتحالفة مع أمريكا، إلا أن هذه القوة الاقتصادية كانت معتمدة اعتمادًا كليًّا على ثرواتها، ولم تبرحها إلى آفاق الصناعة والابتكار، ومع ذلك كان بالإمكان لها أن تتحوَّل إلى دول ذات اقتصاد عملاق، لكنها ظلت حبيسة الاقتصاد المحدود؛ لأنها لم تتحالف مع القاعدة الأمريكية "إسرائيل"، وبالتالي إيجاد كل ما هو مُمكِّن لها في الاختراق الاقتصادي كان أجدر، فالحروب والتحزبات الإقليمية وتنشيط حروب الطوائف والمذاهب والفتن الدينية، أو إيجاد أعداء من داخل الوطن كالأحزاب والتشكلات الفكرية والميليشيات العسكرية، ومن خارجه كنزاعات الدول الجوار والحدود الإقليمية كانت كمشاريع تعمل عليها تلك القوة العظمى، ومن معها من حلفاء يتقاسمون ثرواتها من خلال التسليح وبيع المعلومات، ومن جانب آخر الاستثمار في استخراج هذه الثروات وتصنيعها، ولأن العالم اليوم يتحوَّل من سبات الخوف إلى نهوض القوة خاصة بعدما نهضت روسيا عسكريًّا عند إعلانها بأنها تتفوق على الولايات المتحدة والغرب فيما وصلت إليه من تقنية عسكرية حديثة بامتلاكها صواريخ فرط صوتية يمكن لها حمل روؤس نووية قادرة على الوصول إلى كل بقاع الأرض، وأسلحة رادعة للأعداء، لا يكاد يتخيلها إنسان كقنبلة القيصر وغواصة يوم القيامة، وما تحمله من أسلحة وطوربيدات يُمكن لها صناعة موجات تسونامي... وغيرها مما تملك من أسلحة لم تظهرها للعالم بعد.

كذلك الصين تُصنَّف كثاني قوة إقتصادية عظمى بعد الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تخطت اليابان رغم كل العوائق والمطبات التي وضعتها أمريكا والغرب في وجهها؛ فلقد ظهرت من أنقاض التقليد إلى صناعة المستحيل والقفز بالناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقلق الدول الأوروبية مجتمعة وأمريكا معها، فهي تقفز بالأرقام كما يقفز أبطالها في الرياضات البهلوانية في الأولمبياد، حاصدين الذهب؛ حيث قفز الناتج المحلي الإجمالي للصين منذ العام 2000 من 1.21 تريليون إلى 17,963,171.48 في العام 2022 (حسب مؤشر البنك الدولي)، هذا الرقم المهيب قد يتضاعف في الأعوام القليلة القادمة مع دخولها إلى عالم البريكس الذي استقطب دولًا جديدة ليجعلها الأكثر حظًّا في النمو من بين الدول المنتمية إليه، الصين كدولة تقارع الآن اقتصاديًّا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الولايات المتحدة، وتسعى للوصول إلى ما بعدها، ويتبقى الوصول إلى مكانة القوة العظمى المتربعة على العالم الاقتصادي، مشوار طويل لا يمكن أن نتصوره قريبا، فليس بإمكان الصين أن تتفوق على العالم الغربي لوجودها في مرمى الحرب الإعلامية الغربية، فخلق مشكلة الفيروس التاجي وجزيرة تايوان وأجهزة التجسس من شركة هواوي وتطبيق تيك تيك أزمات تريد الدول الغريبة منها أن تكون سببا لإشغال الصين بما معها من مشاكل تخرجها من التنافسية العالمية.

ولأن أمريكا هي ذاتها النظام العالمي، فإن استبدال التحالف أو التقارب مع أمريكا وحلفائها بالتحالف والتقارب من دول ضد أمريكا وحلفائها لغرض تغيير النظام العالمي إلى نظام عالمي متعدد الاقطاب من كل جوانبه الأمنية والسياسية والاقتصادية، يعني أن أمريكا أصبحت تقديريًّا قوة من بين القوى الأخرى التي لابد لها أن تكون بذات قدراتها العسكرية والنفوذ السياسي والاقتصادي، وهذا من غير الممكن الآن على أقل تقدير؛ فوجود روسيا عسكريًّا لا يعني وجودها اقتصاديًّا أو سياسيًّا، ووجود الصين كقوة اقتصادية هذا أيضًا لا يعني وجودها عسكريا وسياسيا، فهل الأفضل أن ينهار النظام العالمي؟ أي تنهار أمريكا فعلا؟!!!