عصا سُليمان

 

أنيسة الهوتية

خاتم سُليمان، هُدهُد سُليمان، وعِفريتُ سُليمان الذي أحضرَ إليهِ عَرش بَلقيس، هذه  العناصر الأكثر إثارة في قِصة النبي سُليمان بن داود عليه السلام عند أغلب البشر قديماً وحديثاً.

وخاتم سُليمان لَم يُذكر في القرآن الكريم، ولكن تمَّ ذكره في بعض الأحاديث التي صُنِفت أغلبها على أنَّها موضوعة، وغير متفقٍ عليها.

أمَّا الذي أحضر العرش، والهدهد الذي أبلغهُ عن مملكة سَبأ فلا اعتراض عليهما؛ لأنهما ذُكِرا في القرآن الكريم بجانب العديد من المُعجزات التي حباها الله لنبيه سُليمان عليه السلام دون غيره من الأنبياء.

وأغلب البشرِ يميلون حُبًّا لخاتم سُليمان، ويتمنون امتلاكه لما فيهِ من قوة عُظمى لم يمتلكها أحد قبل سُليمان ولن يمتلكها أحدٌ بعده.. إلا أنَّ الحُب كعادتهِ يجعل العاشق فناناً وشاعراً والمعشوق فناً موصوفاً في قصائده وأدبهِ وشعرهِ.

وَالقرآن الكريم لا يقصُ القصص إلا لنيل المعرفة وأخذ العِبرة، والعبرة العُظمى في قصة سيدنا سُليمان ليست في الخاتم، ولا في الهدهد، ولا في من أحضر لهُ عرش بلقيس في لمحة بصر، ولا في النملة التي سمعها، ولا في الرياح التي كان يركب صهوتها ويتنقل بها... ولا حتى في الأحصنة المُجنحة "البيغاسوس" حسب الإسرائيليات التي ذكرت أنهُ قتلها جميعاً لأنها أشغلتهُ عن العِبادة والحُكم بن النَّاس! ومن تلك القصص خرجت أسطورة "اليونيكورن" وهي الحصان المجنح الذي لديه قرنٌ في منتصف أعلى جبهته من عاجٍ أشبه باللؤلؤ.

ولَكِن العِبرة العُظمى في قصة نبي الله سُليمان عليه السلام هي في عصاه! والتي اتكأَ عَليها سنة كاملة وقيل سنتين! دون أنْ تعلم الجِنُ بأنهُ مَيتٌ وظَلوا في إكمال بِناءِ بيت المقدس الذي كان وصيةَ والدهِ داود أن يُتَمم بناءه.

فظَلَت ممالِكُ الجِن في عبوديتها تُكمِل البناءَ ليل نهار دون هوادة، ولم يكن عدم رؤيتهمِ لهُ أمراً مُريباً لأنَّ من عادته التعبد في محرابه ببيت المقدس لسنةٍ كاملةٍ دون أن يُسمَعَ أو يُرى! وكان في خلالِ اختفائهِ يُراقبِ الجميعَ عن بُعد! كمثلِ زمننا الحالي مع أنظمة التكنولوجيا الحديثة وكاميرات المراقبة والشاشات...إلخ. يطمئن على أهلِ بيته، ومملكتهِ من محرابه الذي يتعبَّد فيه دون أن يخرج منه لِسَنَة وأحياناً سنتين!

واستمرَّت الحال على هذا التوقع، وظَل إكمالُ البِناءُ مُستمراً إلى أن تم الاستفادة من موت سيدنا سليمان عليه السلام من أحد عفاريت الجِن الدُهاة، والذيِ شعرَ بموتهِ كما ذُكِر في بعض الإسرائيليات فبدأ يستفيدُ من ذلك لنفسه ويدخل ويخرج من بين بيوتهِ ويأمر الجِن والعفاريت بأوامِر ما كان سُليمانُ فاعلاً لها، وكان أحياناً يتشبهُ بهِ وأحياناً يقولُ بأنه مأمورٌ مِن قِبلِ سُليمان.

حتى أراد الله تعالى أن يقضي على كذبه؛ فأمر الأرِضة وَهيَ الرُمة فأكلت خشبَ عصاه وقيل إنِّه صنعها بنفسهِ من خشب الخروب وهي النبتة التي أنبتت بين يديه وأخبرته بنبأِ وفاته.

فدعى سليمان الله تعالى ألا يُعلم أحدٌ عن وفاته حتى يكتمل بناء بيت المقدس إن كان وقت وفاته قُيد قبل إنهاءِ بناء وتشييد بيت المقدس. وفعلاً، تمَّ ما دعا بهِ إلى أن أمر الله بالكشف عن المستور حتى لا يُستفاد من الواقعة.

إذن، العِبرة في الرُمة التي تأكل الشيء من الداخل فتتلفه وتنهيه، مِثل الفتنة بالضبط والتي هي أشد من القتل! والفتنة هي السلاح الذي استخدمه أغلب السياسيين في العالم، للتفرقة بين القِوى المتحدة للأفراد أو الدول، وأعظم فتنة هي فتنة الدين!

وبالأخصِ الفتنة السياسية الدينية والتي سببت الكثير من الدمار والقتل حول العالم.