أنموذج قائد

 

 

د. صالح الفهدي

القيادة ليست علماً يُمكن أن يكتسب بمعزل عن الملكات الذاتية، والقدرات الفردية، وإنما هو تكامل بين العنصرين: ذاتي ومكتسب، وإذا كنت قد تحدثت كثيراً عن السمات الأصيلة للقادة الأفذاذ، فقد أتاحت لي المشاركة في برنامج "صنع القرار 11" في كلية الدفاع الوطني، بصفة مستشار للبرنامج، أن ألتقي بأنموذج قائد رأيت فيه سمات القائد الأصيل هو اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي آمر الكلية.

وحيث إنني كنت عضواً في خلية السيطرة التي يرأسها آمر الكلية، فقد لمست عن كثب ما اتصف به هذا القائد الحصيف من سمات جوهرية في شخصيته، وحين أقول (جوهريةً) فإنني أقصد أنها تصدر عن تلقائية، وعفوية ولكنها مؤسسة على قيم ومبادئ ذات عمق، ومعاني، حيث يصبح لكل قرار وكل سلوك وكل عبارة مدلولاتها القيمية التي تجذرت في شخصية هذا القائد الفذ.

لقد جَمَع بين الحزم واللين في شخصيته؛ فالحزم يربطه بعض الناس بالحدة والقسوة في الأمر والسلوك، لكن ذلك الربط غير سليم، ولهذا كان القائد حازماً لكنه حزم المرشد الحصيف، والموجه الكيس، فإن أبدى حزمه، مازجه باللين حتى يصل إلى العقل والقلب معاً، وإن ابدى لينه فهو لين المعلم المحفز الذي يريد من لينه أن يصلح، ويحسن.

لقد شهدته يعمل وفق مبدأ "لكل مقام مقال" وعلى إثر ما يتطلب الموقف يكون الرد الملائم، ويكون التوجيه المناسب، فإن احتاج الموقف إلى تشجيع ومؤازرة أبدى ذلك دون تردد، وإن احتاج الموقف إلى تصحيح، وتقويم بادر كذلك دون تلجلج، فمن المواقف الإنسانية التي أذكرها في هذا المقام أنه شاهد أحد الموظفين عبر الشاشة من قاعة منفصلة وهو يقوم بترتيب الكراسي والطاولات وإعادة القاعة على وضعها الطبيعي وكان وحده لا يعلم أن القائد يطالعه بإعجاب في موقع آخر، فلم يفوت القائد هذا الموقف فأشاد به في حديثه الصباحي، وأبدى إعجابه بما قام به الموظف وذلك عبر حديث متلفز ومنقول إلى جميع القاعات، بل إنه وعد بتكريم الموظف وأوفى بوعده له.

ولولا أن هذا القائد الأنموذج قد تأصلت فيه قيم التشجيع والتحفيز والتكريم لما لفته الموقف، ورأى ما يقوم به الموظف مجرد واجب روتيني، بسيط! لكنه كان يقتنص المواقف الإيجابية خاصةً ليجعلها منطلقاً لتشجيع أتباعه، وتحفيز مرؤوسيه.

وإذا كان من المفترض أن يتجدَّد فكر القائد، فإنني قد رأيت في اللواء الركن علي الشيدي، فكراً يتواكب مع مقتضيات العصر، وليس أدل على ذلك من احتضان الكلية لورشة الذكاء الاصطناعي الثمرة الأحدث من ثمرات الثورة الصناعية الرابعة، هذا الإحتضان ينم عن عقلية تستشرف المستقبل، وتواكب تطوراته، وترافق مستجداته، وذلك ما يبعث في المرؤوسين الروح الوقادة في هذا الفضاء الحديث.

كما أنني لمستُ في شخصيته، وهو يوجه ملاحظاته أنه من المحفزين للتفكير خارج الصندوق، وما الصندوق إلا الأفكار التقليدية التي تحوم حول نفسها، فتكرر صورها ومعانيها، بينما الخروج يعني الإنطلاق إلى فضاءات حافلة بالجديد المستحدث الذي يدل على ملكات العقل البشري بشرط أن يثق في قدراته، ويشحذ قواه الفكرية.

ومما لمسته كذلك في شخصية هذا القائد الأريب، حرصه على دقة التفاصيل، ومراجعتها، لأن التفاصيل هي التي تكون المعرفة؛ فهي جوهرها ومنشؤها، وقد كفلت له هذه الخصلة نجاح التنظيم للدورات والورش والبرامج والمناسبات المختلفة، وقوة المنهج الاستراتيجي، وأنقل عنه مقولته أن مراجعة الشخص للمادة التي يقدمها للناس مراجعةً دقيقةً، وتكثيف الإطلاع عليها يكفل له ما نسبته 75% من نجاح تقديمه، ولا شك بأنه ترك ما تبقى للعوامل الشخصية الأخرى.

إنَّنا حين نسلط الضوء على شخصية قائد حكيم، فإن ذلك يأتي في إطار إبرازنا للقدوات الفاضلة التي نفخر بها في مجتمعنا العماني، ثم لتكون هذه الشخصيات بما تملك من قيم نبيلة، ومباديء أصيلة قدوات يتأسى بها أبناء عمان، لأن بناءها جاء بعد خوض مرير في معترك الحياة، ومجاهدة مضنية في شتى التجارب، فجمعت بين الدربة والدراية، وبين التجربة والخبرة، وبين الحكمة والقرار.

كما إننا حين نعايش شخصيةً كشخصية اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي، فإن من الواجب المحتم علينا أن نقول كلمةً، وإن كانت غير وافيةً للحق، لكنها ملزمةً، لنبين أثر هذا القائد الأنموذج وغيره من القادة كل في ميدانه ومضماره هم من يضربون أروع الأمثلة في الإخلاص والتفاني والولاء والصدق والأمانة لوطنهم العزيز، وسلطانهم المعظم، فهم نجوم أوطانهم، وهم منارات دروبهم، وهم أمارات المجد والسؤدد والفخر فيه.

تحية عظيمة للقائد الأنموذج اللواء الركن علي بن عبدالله الشيدي آمر كلية الدفاع الوطني، فهو ممن يستحق الثناء والإشادة والتقدير.