"وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ"!

 

 

محمد بن رضا اللواتي

منذ 7 أكتوبر والدم لا يزال ينزف في فلسطين، والقتل والتجويع والحصار مستمر للشعب السليب الذي يقاوم بكل بسالة، وقد رفض الاستسلام لمخططات الصهيونية والاستكبار الأمريكي الذميم.

لا شك أنَّ هذه التضحيات لن تذهب سُدى، وسوف تؤتي أكلها؛ فالقرآن المجيد الذي يخبرنا بأنَّ النصر حليف المستضعفين، بصفته مبدأٌ قرآنيًّا لا يقبل الشك، فيقول في الآية 55 من سورة النور: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا"، كذلك يُخبرنا عن خاتمة الصهيونية البئيسة تحديدا؛ إذ يقول في سورة الأعراف الآية 166 و167: "فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ". فاللام في "لَيَبْعَثَنَّ" جاءت للتأكيد، فالذين سيذيقون هذه الفئة المجرمة سوء العذاب قادمون لا محالة، لأن وعوده تعالى لا تتخلف، يقول سبحانه في الآية 6 من سورة الروم: "وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

تمر الجهود في هذا الوقت العصيب من جهاد أهل غزة المصيري بمرحلة "إثبات الصبر" وعدم الاستسلام، يُشير إلى هذه المرحلة في حياة الأمم القرآن المجيد فيقول في سورة البقرة الآية رقم 155 و156: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ".

ويشحذ القرآن المجيد من جانبه الهمم للاستمرار في الصبر لأجل تخطي المرحلة فيقول عن لسان قوم "طالوت" في سورة البقرة الآية رقم 249: "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"، ويقول في سورة النساء الآية 104: "وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا".

والملاحَظ أنَّ الآية عادلت في "الألم" الذي يلحق المجاهدين في سبيل الدفاع عن وطنهم وعن مبادئهم، ويلحق أعدائهم كذلك، لكنها فرقت تفريقا شاسعا بين الرؤى الفكرية والمواقف العقدية وما يرتبط بها من الأبعاد المعنوية كالهمم والأمنيات والمشاعر، فأين أولئك المعتدين الذين قصًرت أعينهم في حدود رؤية هذا العالم الفاني المؤقت، مقارنة بأولئك المجاهدين لأجل حقوقهم المشروعة الذين بلغت رؤاهم إلى تخوم الحياة الأبدية السعيدة؟ المعتدي لا يتجاوز طموحه فُتات هذا العالم، ولا يأمل شيئا مما وراءه، بخلاف المجاهد المسلم الذي أعتقد جزما بالحياة الممتدة إلى ما وراء هذه الحياة، حيث تتجلى فيها نتائج رُكام الأعمال التي مارسها في محطة الابتلاء والصبر.

سوف تُطوى هذه الأيام مهما طالت، وستبدو لاحقاً كم كانت قصيرة وسريعة المرور، والذين وقفوا على حياد منها، سيفوتهم لذة تذوق النصر، يُذكرني هذا بقوله تعالى في سورة التوبة، الآية 46: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ".