صلة الرحم بين العادات المجتمعية والشريعة الإسلامية

 

 

محمد الصواعي

تُعتبر صلة الرحم من العوامل التي تقوي روابط المودة والأخوة وتزرع المحبة بين أفراد المجتمع وهي تجسد أنقى صور المودة وأصفى صفحات الإخاء ووحدة المجتمع وهي عبارة عن زيارات تتم بين أفراد العائلة الواحدة ممن لهم شراكة بينك وبينهم في النسب، وقد تتسع لتشمل مختلف درجات القرابة فصلة الرحم وإن كانت تحمل طابعا اجتماعيا يعزز العلاقة بين أفراد العائلة والأسر، إلا أن الشريعة الإسلامية جعلتها من مرتكزات الدين القيم فجاء التعبير القرآني مؤكدا ومؤيدا على ضرورة الحفاظ على صلة الرحم وعدم الانقطاع والجفاء عنها فالقرآن الكريم يعد صلة الرحم من الأعمال الصالحة التي يجب على كل مسلم أن يضع زيارة الأهل والأقارب ضمن أواوياته في الحياة حيث تدرج القرآن الكريم في ذكر صلة الرحم كسلوك أخلاقي وإنساني رفيع ينبغي أن تتسم به الإنسانية عبر الزمان وهو مفتاح من مفاتيح التواصل الحضاري والبشري بين الأمم والشعوب؛ حيث افتتح الآية في خطاب البشرية كافة حيث ضمن الله عزوجل تحت الخطاب العام للبشرية أنه يخص المسلمين عندما ربط صلة الرحم بتقوى الله قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء:آية 1).

وهذا الأمر الإنساني السامي الذي يدعو إليه الإسلام وكرستها الثقافة القرآنية تتطابق مع قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13)، لتؤكد أهم ثمرة من ثمرات صلة الأرحام ألا وهي تحقيق التواصل والتعارف، وإن كان سياق الآية أعم واشمل حيث يعنى بالدرجة الأولى التواصل بين الأمم والشعوب المختلفة ولكن صلة الرحم هي جزء لا يتجزء من المعنى و المضمون الشامل الذي تقصده الآية القرآنية السابقة.

ثم جاء تتابع الآيات القرآنية في مجملها تحث على صلة الرحم وأنه سلوك يفعله المهاجرون والأنصار والرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته مع بعضهم البعض وأن من يصل رحمه سواء الأقارب من المحارم أم الأقارب غير المحارم ينزل الجزاء والثواب الحسن وجاءت الآيات القرآنية التي تحث على صلة الرحم مترابطة فيما بينها مؤكدة ما وضحناه أنفا وهي على النحو الآتي :

- "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنكُمْ ۚ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (الأنفال، آية 75).

- "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ" (البقرة، آية 21).

- "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا" (الأحزاب، آية 6).

كما نلاحظ الآيات السابقة جاءت بالحث والترغيب على صلة الرحم وزيارة الأقارب من الأعمال الصالحة التي يحث عليها الإسلام كما ربطها بتقوى الله عزوجل وهو طاعة الله عزوجل والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه وهنا بود التأكيد على تأكيد الإسلام وتعزيز هذه العادة الاجتماعية التي يحرص عليها مجتمعنا المحلي لأنها تؤدي إلى عمق الترابط والتواصل بين أبناء النسب الواحد والمجتمع والوطن الواحد وهي روابط تأصل عمق أخوة الدين أولا والدم والنسب ثانيا ومحبة المجتمع والوقوف مع بعضه البعض في السراء والضراء ثالثا وهذا ما يؤيده ديننا الإسلامي الحنيف ويغرسه بين المسلمين فقد كان التعبير القرآني واضحا وضوح الشمس في كبد السماء حينما أكد في أكثر من سياق قرآني تكريس رابطة المحبة والأخوة من خلال صلة الرحم كعامل جوهري يحقق الألفة والمودة بين الأسر والأفراد والمجتمع فقد تكررت هذه الصيغة "وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ" في أكثر من آية حيث تكررت في الآية 75 من سورة الأنفال كما تكرر ذات السياق في الآية 6 من سورة الأحزاب.

وعندما نذهب إلى الآية 21 من سورة الرعد سنرى هناك أفعالًا وسلوكيات ذكرها القرآن الكريم كصفات تخص المؤمنين كالوفاء بالعهد وهو طاعة الله واجتناب معصيته والالتزام بعبادته وعدم نقض الميثاق أي عهد البشر فيما بينهم مرتبطا بالعهد مع الله عزوجل والعهد والميثاق بينهم ترادف في المعنى أما قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ"، فقد أجمع كبار المفسرين كالقرطبي والطبري وغيرهما أن الأمر بالوصل الذي يريده الله عزوجل هو صلة الأرحام وعدم الانقطاع عنها كما ينقل كتاب الإبريز في التفسير عن قطب الأئمة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش من كتابه تيسير التفسير: "من حق الرحم والجار والعشرة وحق المؤمنين وموالاتهم وإثارهم والتردد إلى الناس وعيادة مرضاهم واتباع جنائزهم.... " ثم تستمر الآيات في ذكر الصفات والخصال المختلفة للمؤمنين كالخوف من الله عزوجل وإقامة الصلاة والانفاق سرا وعلانية وتأتي الآية التي بعدها توضح جزاء ومصير المؤمن الذي يقوم بهذه الأفعال والسلوكيات والتي من ضمنها صلة الأرحام قال تعالى: "أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ" أي الذي يحافظ على عيادة المرضى وزيارة أرحامه وهي صفة من الصفات المذكورة في الآيات السابقة لهم جزاء وثواب حسن في دار الآخرة وهو الجنة وأن هذه الجنة يدخلها الصالحون من ذريتهم وأهلهم والشرف الكبير أن تدخل الملائكة على ممن اتصف بعدد من الصفات منها صلة الرحم من عدة أبواب وتهنئهم وتبارك لهم الدخول للجنة فيا سبحان الله تجلت رحمته ولطفه حيث يقول الله عزوجل استكمالا لما يحدث لهم في الجنة: "جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡۖ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَدۡخُلُونَ عَلَيۡهِم مِّن كُلِّ بَاب".

وهنا ترسيخ في غاية الأهمية حول ضرورة صلة الرحم وأن فاعلها جزاؤه الجنة.

ثم ينتقل التعبير القرآني حول الويل والعقاب والعذاب لكل من يقطع صلة الرحم سواء كانوا المحارم أم غير المحارم بالعودة إلى الآيات السابقة آيات الثواب والجزاء ربط صفات الوفاء بالعهد والصلاح في الأرض والانفاق سرا وعلانية وصلة الرحم كذلك الحال مع آيات العقاب والعذاب تذكر إن المسلم الذي ينقض العهود ويقطع زيارة أرحامه ويفسد في الأرض له مصير السوء في الآخرة وقد تكررت صياغة الآية في موضعين مختلفين هما:

  • الموضع الأول:

قال تعالى: "الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (البقرة، آية 27).

  • الموضع الثاني:

قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد، آية 25).

نلاحظ تكرار صياغة الايتين فيمن ينقض الصفات الآتية:

- نقض العهد

- قطع صلة الرحم

- الفساد في الأرض

وقد تكررت نفس الصياغة في الآية 27 من سورة البقرة وفي الآية 25 من سورة الرعد وهنا تأكيد رباني على ضرورة التزام المسلم بمكارم الأخلاق وحسن تعامله وتواصله مع الآخرين ولكن نلاحظ الاشتراك في المصير والاختلاف في تفاصيل المصير والجزاء؛ ففي سورة البقرة الآية 27 حدد أنهم من الخاسرين أي خسروا نعيم الآخرة في حين تذكر الآية 25 من سورة الرعد تفصيل أعمق في مصيره ليس الخسارة فقط بل اللعنة أي الطرد من رحمة الله ولم يعش حياة السعادة ومسكنه دار السوء والخراب والضياع، كما أن هناك أمرًا ينبغي الالتفات إليه وهو أن قطع صلة الرحم لها تبعات وخيمة وعواقب سيئة حيث ربطها كتاب الله عزوجل بالفساد في الأرض قال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" (محمد، آية: 22).

وإذا انطلقنا من هذه الآية الكريمة لنرى العواقب الوخيمة التي تصاب مجتمعاتنا من انقطاع زيارات الأرحام والأقارب؛ فهي بلا شك تكشف تفكك أواصر المجتمع فترى هناك من هو المريض على الفراش ومن هو المديون بسبب مستلزمات الحياة ومن يعاني من الأمراض المزمنة ومن لديه ضعف في الحالة المادية بسبب غلاء المعيشة وغيرها من الأزمات، ومن هنا جاء التعبير القرآني دقيقا في ربط قطع الأرحام بانتشار الفساد في الأرض فكم من حالات السرقة حدثت نتيجة إهمال المجتمع حالات ذوي القربى وعدم السؤال عن أحوالهم حتى يقع الفأس في الرأس وكم من حالات الحبس حدثت بسبب تعفف الأسر وغياب سؤال الأرحام والأقارب عن جيرانهم وأهلهم حتى تصل الأنباء أن فلان حبس بسبب الديون وبسبب أنه سرح من العمل وعليه ارتباطات والتزامات فدرء المفاسد أولوية شرعية حتى على حساب المصلحة؛ فمن هنا النهي عن قطع الأرحام كان حازما وهو قطع ذريعة انتشار المفاسد في الأرض كالقتل والسرقة والتسول وارتكاب الموبقات ..... إلخ.

حيث إنَّ زيارات الأهالي والأقارب فيما بينهم تجعل المسلم مرتبط بمن حوله عارفا لأوضاعهم باذلا قصار جهده في خدمتهم ومساعدتهم حسب قدرته واستطاعته مواسيا لهم في أسقامهم وأمراضهم مشاركا لهم في أفراحهم وأحزانهم عائدا لمريضهم وهنا يرشدنا خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تقوية أواصر المحبة والألفة والمودة عبر الزيارات والتواصل فيما بين المسلمين وهي قمة الرقي الحضاري في ترابط الناس والمجتمع بعضهم البعض في الشدة والرخاء كالجسد الواحد فكما يذكر الإمام البخاري عن النعمان بن بشير عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى". وهنا في هذا الحديث نلاحظ اقحام التشبيهات والأمثال لتقريب المعنى في ذهن الناس وهذا من حكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث أنه شبه ترابط المسلمين وتوادهم فيما بينهم ككتلة ولحمة متكاملة لجميع أجزاء جسم الإنسان وأن أي خلل أو خراب أو نقص في جسم الإنسان يحدث الألم والمرض وهو يعبر عن الفرقة وانقطاع حبل الوصل بين المسلمين كما أن هذا الحديث النبوي يلفت إلى أمر هام وهو حرص المسلم وتألمه عما يحدث لذوي الأرحام والأقارب أو المسلمين كافة فالسهر سببه الألم والتألم امتناع النوم عنه والحمى تستثير بسبب فقدان النوم والوجع وهو حديث نبوي تربوي يؤكد عيش المسلم هموم وأفراح أخوانه وأقاربه.

هناك من يجعل حبل الصلة مع أرحامه وأقاربه من أجل الخوف من كلام الناس حتى لا يتكلموا عن تقصيره وإهماله في المقابل يغفل عن الآيات القرآنية التي ربطت قاطع رحمه بالمفسد في الأرض ولا يخطر في باله النية الصالحة والمقصد الأسمى من صلة الرحم وهو الانقياد لشرع الله وطاعته واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا أمر ينبغي التنبه له لأنه لربما يقطع الإنسان المسافات الطويلة عبر سيارته دون أجر ولا ثواب بسبب نيته والمقصد المبيت له.

كما أنَّ هناك من يصل جاره وصديقه وربما لا أبالغ إن قلت أهله وأقاربه من أجل أنه زاره وسأل عنه وعن أحواله أو حضر مجلس عزائه أو بارك له في عرس أهله وأقاربه فقط من أجل ارجاع المعروف بمعروف وليس مبادرة ونية خالصة لله عزوجل وهذه من العقبات التي تحدث في المجتمع وإن كنا نرفض التعميم إلا أن تعتبر ظاهرة منتشرة بين أفراد المجتمع إلا من رحمه ربه.

وكما يروي عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها".

وهنا، حديث نبوي يوضح هذا الأمر أن الأجر الأعظم لصلة الرحم ليس الواصل للرحم الإحسان مقابل الإحسان بل من له الأجر والثواب الأعظم من يقابل قاطع الوصل بأن يصله ويزوره ويحسن إليه وهذا ما يؤكد رقي الحضارة الإسلامية وتكريسها مبدأ مقابلة الإساءة بالإحسان.

ومن الأمور التي ينبغي التنبه لها عند الوصل والزيارة هو انتشار عند شريحه كبيره في المجتمع وصل رحمه من اهله وأقاربه من أجل تعمد التجريح بسبب مصيبة أو نكبة تعرض لها الشخص وهو لم يسمع نصيحته أو حدوث خلاف في أمر دنيوي وجاء يزوره من أجل التشفي والتلذذ وهو يراه في مصيبته ورزيته وهذا عمل هو نقيض المروءة وسوء الخلق فضلا عن انتقاض وبطلان صلة الرحم والتعرض للعقاب الإلهي في الدنيا والآخرة.

ومما ينبغي إدراكه أنه يجب أن تصل رحمك حتى لو كان صاحب معصية كشرب الخمر أو السرقة أو ممن ابتلي بالسباب والشتم والكذب وووالخ لأن الهداية والصلاح بيد رب العالمين وليس من أخلاقيات الإسلام هجران الأهل والأقارب بل اجعل من هذه الزيارة فرصة ثمينة لتوجيهه ونصحه من الذنوب والمعاصي الذي ابتلى فيها وتؤثم إن أعنته وسهلت له فعل المعاصي والكبائر.

إنَّ الدين الإسلامي الحنيف حافظ على بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها العرب في الجاهلية بل شجع عليها وأيدها فهذبها وجعلها في رونق بديع وقالب منظم فكان العرب يمتازون بالكرم والوفاء والإيثار وإعانة المحتاجين فحافظ الإسلام على هذه القيم الأخلاقية الرفيعة وطهرها من الشوائب فصلة الرحم لها دور محوري في تقوية المجتمع وتماسكه، كما أنها تقوي رابطة النسب والدم علاقة طيبة مباركة كما ربط الإسلام من يزور أقاربه سواء من حيث الجوار في السكن أو قرابة النسب بالإيمان بالله عزوجل والحساب في يوم الآخرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ".

كما أن من فوائد صلة الرحم تبارك في رزق الإنسان من حيث لم يحتسب وهي من الأعمال النافعة التي ينبغي الإنسان يدرجها ضمن أوقاته وجدول حياته كما أنها تمنح البركة في عمر الإنسان أي يطيل الله في عمره فيقضي أوقاته بما ينفعه في الآخره من الطاعات والأعمال الصالحة وهذا من توفيق الله وبركة المحافظة على زيارة الأهل واعانتهم في قضاء حوائجهم ومساعدة جيرانه وأقاربه حيث عبر الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"

وعلاوة على البركة في العمر والرزق فإنها تربي النفوس وتهذب القلوب على البذل والعطاء في سبيل خدمة الآخرين فكم من زيارة فرجت كربة مهموم وأصحت سقيم من سقمه ورسمت البهجة والسرور في عائلة معسرة وهم من ذوي القربى والنسب كما أن صلة الرحم تربي الأجيال والأبناء وتنشئهم على ضرورة التواصل والتفاعل مع مختلف فئات المجتمع والتفاعل مع من له صلة القرابة والنسب على وجه الخصوص فينبغي على كل ولي أمر أن يصحب ابنه لزيارة أهله وأقاربه وأرحامه كي يغرس في ابنه هذه القيم النبيلة ويحافظ عليها ويداوم الاستمرار عليها وهذا سبب جوهري في صرف الابن عن الانطواء والابتعاد عن العالم الافتراضي (الإدمان على الألعاب والمواقع الإلكترونية).

كما أن مداومة الابن والاستمرار في زياراته لأهله وأرحامه تكسب الابن تجارب الحياة من كبار السن فيتعلم ضرورة الصبر عند النوائب والعفو والصفح عن المسيء ويثمن النعم التي هو يعيشها الآن وحجم المعاناة ومقاساة الدهر التي تكبدها أباءه وأجداده الأولين كل هذا الكم المعرفي ترسخ لدى الأبناء مدرسة الحياة ومحطات الكفاح ومراسي الاقتداء وكل هذا نابع من غرس قيمة صلة الرحم لدى الأبناء منذ صغرهم فيصبح الابن ياقعا نافعا مفيدا لنفسه وأهله كما أن صلة الرحم هي جسر العبور وحلقة الوصل والترابط بين الجيل الحالي والجيل السابق فيصبح الابن مدركا عارفا نسب أباءه وأجداده حافظا لها َكل هذا يأتي بالزيارات والجلوس مع كبار السن الذين لهم صلة النسب والقرابة.

وأخيرا.. فإني أذكر نفسي وكل فرد مسلم بهذا الحديث القدسي الذي يكشف مكانة صلة الرحم في الإسلام فقد روي في مسند الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: من وصل رحمه فقد وصلني، ومن قطع رحمه فقد قطعني"؛ أي كل من يصل رحمه سواء كان ماديا كالأنفاق أو معنويا كمشاركتهم في الأفراح والأحزان وزيارتهم ومراسلتهم فمن وصل رحمه يوصله الله عزوجل بأن ينال رحمته وتوفيقه وهدايته وثَوابه ومن قطع رحمه يقطع الله الوصل عنه فيجزيه العقاب ولا يدخله الجنة.

تعليق عبر الفيس بوك