مفاوضات اليمن وضريبة الدخل على الأفراد

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

(1)

خلال الأسبوع الماضي، استضافت سلطنة عُمان المفاوضات اليمنية بين أطراف النزاع ومن مختلف الفصائل، وهذه الجولة لم تكن الأولى، بل سبقتها جولات تم بعضها وسط تكتُّم كبير، وبعضها معلن، وفي كل حالة كانت هناك أهداف من الإعلان عنها أو إحاطتها بالسرية اللازمة.

هذه الجولات من المفاوضات، والتي أجمع فيها كل طرف من أطراف القضية أنها تحقق تقدما ملموسا في كل مرة، هي بحد ذاتها شهادة أنَّ سلطنة عمان تقف على خط واحد مع جميع الأطراف، وما يهمُّها في الحالة اليمنية هو إحلال السلام على أرض الواقع، وأن ينعم الشعب اليمني بالأمن والاستقرار، وأن تتاح له فرصة العيش بطمأنينة بعد أن أنهكت الحرب كل شيء في اليمن الذي كان سعيداً في يوم ما.

عندما تُجمع أطراف النزاع اليمني على أنَّ سلطنة عُمان هي الدولة الموثوقة من قبلها لتقدم الحلول وتزرع السلام والاستقرار وتنهي حالة الحرب المستعرة منذ فترة، فإن ذلك وبلاشك ضربة في خاصرة المتاجرين بالقضية اليمنية، وصفعة على وجوه العملاء والمأجورين الذين ما فَتِئوا يزجُّون باسم سلطنة عمان ويروجون لأكاذيب ابتدعوها بعدما وجدوا أنَّها حصن منيع لمخططاتهم وأهدافهم وأطماعهم، وأنها ثابتة على سياستها ومبادئها القائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

لقد أصابتهم هذه المفاوضات التي احتضنتها مسقط عاصمة السلام بالدوار والغثيان، وشتى أنواع مظاهر الصدمة والارتياب، وهكذا هي سلطنة عمان عندما توجِّه رسالتها فإنها تختار التوقيت المناسب والحدث الأشد إيلاماً لعدوها، ولكن بطابعها الخاص وقيمها الراسخة، دون النزول إلى مستويات لا تليق بدولة وحضارة ضاربة في عمق التاريخ، لها مكانتها بين الأمم والحضارات.

 

(2)

شهد الأسبوع المنصرم مناقشة مشروع قانون الضريبة على الدخل للأفراد في مجلس الشورى، وهنا لست بصدد الدخول في مناقشة القانون، ولكني بصدد الحديث عن أمر آخر وهو السياسة الاقتصادية التي تنتهجها سلطنة عمان في العهد الميمون لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- عهد النهضة المتجددة.

فمنذ تولي جلالته مقاليد الحكم في العاشر من يناير 2020م، وجلالته -أعزه الله- لا يدخر جهداً في سبيل الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي أثرت على كل أشكال التنمية في الوطن، وقد وضع على عاتقه مسؤولية الخروج من هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن، وفي خضم هذه الأزمة يُصاب العالم بوباء كوفيد الذي زاد الطين بلة كما يقال، ليضيف عبئاً آخر يعرفه الشعب جميعه.

وعندما رأى شعب سلطنة عمان قيادته الرشيدة تبذل كل هذا الجهد من أجل الخروج من هذه الأزمة، أبى إلا أنْ يكون مسانداً وداعماً للسياسات التي أُقِرَّت، فضرب شعب هذا الوطن خير الأمثلة لمعاني الوطنية والبذل والصبر من أجل هذا الوطن، وهذا الأمر ليس بغريب على هذا الشعب الذي لطالما كان وفياً لارضه وسلطانه.

واليوم، وبحمد الله، وفي غضون أربع سنوات ونصف، استطعنا أن نصل إلى معدلات مثالية من الأمن المالي والاقتصادي، ونجحت الخطط التي وُضِعت للخروج من الأزمة، وتحسَّنت المؤشرات العالمية والتصنيفات الدولية بفضل الله وتضافر الجهود من الشعب والحكومة في ظل التوجيهات السديدة للقيادة الحكيمة.

إنَّ الشاهد من هذا الأمر كله، هو أنَّ علينا أن نثق في قيادتنا الرشيدة التي خرجت بنا من أزمة طاحنة ووضع مالي واقتصادي صعب، بأنها سوف تختار لنا من السياسات التي تُجنِّبنا مستقبلاً الوقوع في مثل هذه الأزمات، وإن كان هذا القانون ذا جدوى للوطن والمواطن فسوف يُطبَّق، وإن كان العكس فلن تسعى القيادة لخلق أزمة للشعب الذي ما سخَّرت هذه الجهود إلا من أجله.

لقد كثُر المتحدثون والمحللون حول القانون، والذين كان أكثرهم يتحدث دون دراية أو إلمام بفحوى القانون، وبعضهم دون معرفة بأبجديات الاقتصاد والمال، هذا الحديث خلَّف حالة من الهلع لدى بعض الناس، خاصة عندما يرتبط الأمر بمستوى المعيشة، وهنا علينا أنْ ندرك أنَّ الكلمة أمانة ومسؤولية، وأن الأسلم للإنسان ألا يخوض في حديث عن أمر لا يعلمه ولا مُتخصِّص فيه، وأن نجعل الثقة هي عنوان العلاقة بين أبناء هذا الشعب، وذلك من أجل خير الوطن والمواطن، وأن تُترك المنابر لمن هم أهل من المختصين في الأمر.

لقد أقسَم جلالة السلطان المعظم قسمًا عظيمًا على رعاية مصالح المواطنين، وقد حَرص جلالته -أعزه الله- على أن تكون جميع خطواته منذ تولي الحكم بهذا الاتجاه، على خُطى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- فلنكن عوناً له لنكون خير شعب لخير سلطان "أقسم بالله العظيم أن أحترم النظام الأساسي للدولة والقوانين، وأن أرعى مصالح المواطنين وحرياتهم رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه".

تعليق عبر الفيس بوك