قنبلة "Little Boy"

 

 

الطليعة الشحرية

"الولد الصغير".. اسمٌ أُطلق على أول قنبلة ذرية أُلقيت على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس 1945 من قاذفة القنابل B29، على الرغم من الوصول إلى اتفاق مع اليابان لوقف الحرب، إلا أنَّ أمريكا سارعت إلى استخدام قنبلة Little Boy كإعلان سيادة قوة أحادية القطب وهي الولايات المتحدة الامريكية.

لم تكن الأسباب التي أدَّت لنشوب الحرب الثانية نتاج للجنون العظمة الذي يقود هتلر بعد وصوله إلى السلطة، ورفعه شعار التفوق العرقي في أوروبا، وتركيزه الاهتمام على تقوية الجيش وتطوير الصناعات العسكرية.

انتهت الحرب بانتصار دول الحلفاء وهزيمة دول المحور، ومقتل ما يقرب من 60 مليونًا، وأبرز ما حققه الانتصار في الحرب هو إعادة بناء النظام العالمي الجديد، وتأسيس الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة، وعلى رأسها مجلس الأمن الذي تتحكَّم في قراراته إلى اليوم الدول الرئيسية المنتصرة في الحرب. لقد حوَّلت قنبلة Little Boy العالم من حالة تعددية الأقطاب إلى ثنائية القطبين: قطب رأسمالي تتزعمه الولايات المتحدة، وقطب اشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، ودخل العالم في سباقٍ محموم للتسلح وبالأخص النووي.

البشر والحروب

التاريخُ يُخبرنا بأنَّ الحروب والصراعات ليست بجديدة على بني البشر منذ أن انطلق الإكسندر المقدوني في العام 334 ق.م في حملة على بلاد فارس، وحقق انتصارات متوالية وبسط نفوذه على آسيا الصغرى، وخضعت له كلُّ بلاد السند ومصر الفرعونية. تُوفي الإكسندر بعد عشر سنوات وتفككت إمبراطوريته العظيمة وعادت الإمبراطورية الفارسية والفرعونية. كلُّ شيء عاد إلى وضعه الطبيعي وهكذا تُتداول الدول، لم يملك الإكسندر قنبلة Little Boy النووية ولم يملك نابليون بونابرت حاملة طائرات أيزنهاور، ولم ينشغل سون تزو القائد العسكري الصيني بصنع غواصة نووية بدلًا من وضع كتابه "فن الحرب".

تُسفك الدماء في الحروب في كل زمان وعصر، بفارق أنَّ عصرنا هو عصر الإبادة والتطهير العرقي الممنهج؛ فهل سنشهد حربًا عالمية ثالثة تلقى فيها الآلاف من القنابل النووية والنيوترونية والفراغية، وقد استخدم جيش الاحتلال النوع الأخير في حربه على غزة. القنبلة الفراغية أو ما يُسمى بـ"الحراري" تُحيل الجثث إلى رماد وهذا ما حصل لجثث ضحايا المقبرة الجماعية بمجمع ناصر الطبي.

جاء "طوفان الأقصى" في سياق تاريخي يمُوج بكثير من التحولات والأزمات والتقاطعات والانهيارات الدولية التي قد تُؤدِّي وتحت وجود عوامل ضغط وفتح أكثر من جبه صراع لدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة.

قانون الوجود

للكون سُنن ولتاريخ دول، وتعدُّ الحرب الرومانية الفارسية أطول الحروب سجلها التاريخ فقد قامت العديد من النزاعات بين الروم والفرس وقد بدأت الحروب في أواخر فترة الإمبراطورية الرومانية واستمرت لمدة سبعة قرون. أحرق المغول بغداد وقتل ما يقارب الـ40 إلى 60 مليون إنسان، انتهت الحرب وأسلم المغول، وأصبحوا جزءًا من الحضارة الإسلامية.

أنتجت الحرب العالمية الأولى نظامًا عالميًّا متعدد الأقطاب، وتأسست اللبنات الأولى للنظام العالمي الجديد يقوم على مبدأ القومية وتم إعادة رسم الحدود الجغرافية الأوروبية. وأنشئت "عصبة الأمم" وأصبح للبشرية مؤسسة تدير شؤون النظام متعدد الأقطاب. جاءت الحرب العالمية الثانية وأنتجت عالمًا ثنائيًّا: رأسمالي واشتراكي، انهار فيه الأخير وتزعم فيه الرأسمالي الأمريكي وخضع عالمنا إلى قوة أحادية القطب، وتغيَّر القانون الوجودي باختلال موازين القوة، وانحصر التداول التاريخي متعدد الأقطاب. وقعت السلطة والقوة في قبضة دول تملك السلاح وتتسارع للتسلح، من يملك قنبلة (Little Boy) له الكلمة الأخير والحق في اتخاذ القرار والسيادة والحق في إبادة الحرث والنسل.

ذل من لا سفيه له

يشهد العالم اليوم الأسباب التي قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، ولن تحدث قطعًا بين عشية وضحاها، لكنها أصبحت قريبة، فنحن نعيش على أعتاب تغير في مفاهيم الحروب، كانت الصراعات تنشب قديماً، والحروب تطول وتنتهي، ويسقط ملك ورئيس، ويبقى الإنسان والتاريخ، أما اليوم فالنظام العالمي الجديد يضع قاعدة جديدة: من يمتلك القوة له الحق في إعادة تشكيل العالم بغض النظر عن الامتداد والعمق الحضاري والإنساني. لم يتوقف الصراع بانهيار القطب الاشتراكي المكافئ للقطب الرأسمالي، فكلٌّ من روسيا والصين وكوريا الشمالية يمتلكون مقدرة عسكرية وأسلحة وتقنيات متطورة تنافس القدرة الأمريكية. ستحتاج الولايات المتحدة إلى تسبيت تموضعها على سدة العالم تزامناً مع إشعال الجبهة الروسية الأوكرانية وجبهة غزة في الشرق الأوسط، والتهديد بتوسيع دائرة الصراع إلى لبنان. لذا؛ سارعت روسيا إلى توقيع اتفاقية معاهدة للشراكة الإستراتيجية الشاملة مع كوريا الشمالية.. إنَّه التحالف بين القوتين النوويتين، ورسالة للناتو والرأسمالية الصهيونية، وكأنَّ بوتين يستنير بالمثل العربي "ذل من لا سفيه له".

حرب عالمية ثالثة

فجَّرت أمريكا قنبلة Little Boy التي يصل وزنها إلى 8.900 وتقتل 140 ألف مدني لتخبر العالم بأنَّ لديها قنبلة ويحق لها السيادة. تمتلك روسيا اليوم صاروخ "سارمات" (الشيطان 2) يزن الصاروخ نحو 100 طن، وله قدرة على حمل حمولة نووية تقدر بـ10 أطنان، وبهذه الحمولة يُمكن أن يسبِّب انفجارًا أقوى 2000 مرة من القنبلة النووية التي ألقيت على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين. ويمتلك الصاروخ النووي الروسي العابر للقارات القدرة على محو معظم المملكة المتحدة أو فرنسا.

أفقدت حرب الإبادة التي يقودها الكيان المحتل بموافقة الولايات المتحدة لقب "حارس سلام"، وقد تدفع بالعالم نحو فوَّهة حرب عالمية إذا وسع الاحتلال المختل دائرة الصراع إلى لبنان، وستتحول إلى حرب نووية بفتح جبهة مع الصين لأنها الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.

حَكَم الغرب العالم بمنطق القوة المطلقة باعتبارها معيار الأفضلية، فأعلنت أمريكا قوتها بقنبلة Little Boy ونزعت بذلك فتيل الأخلاق، وصرح بوتين بقوله "لا عالم بدون روسيا"، واستخدم الاحتلال قنابل فراغية مُحرَّمة على المدنيين العزل.. أمريكا والنظام الرأسمالي بأكمله يعيش أحلك أوقاته قبل السقوط.. إنها مأساة سياسة القوى العظمى.