أين العدالة؟

 

عائشة بنت علي المقبالية

مُناقشة معايير الفرز الوظيفي الذي تنتهجه وزارة العمل، تعد من القضايا الحيوية التي تؤثر بشكل كبير على حياة العديد من الخريجين الطامحين للانضمام إلى سوق العمل، وأحد أبرز هذه المعايير هو الاعتماد على أقدمية التخرج والعمر كعوامل رئيسية في تحديد أهلية المُتقدمين للوظائف.

في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والتنافس الشديد على الوظائف، يواجه الخريجون الجُدد تحديات كبيرة في العثور على فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم وطموحاتهم. لذا، يُثار السؤال حول مدى عدالة هذه المعايير وإلى أي مدى تعكس احتياجات السوق وتطلعات المجتمع؟

إنَّ معايير الأقدمية وسنة التخرج تعد جزءًا من السياسات التي تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن في سوق العمل؛ حيث تُمنح الأولوية للأفراد الذين ظلوا ينتظرون لفترة طويلة للحصول على فرصة عمل. ومع ذلك، تتسبب هذه المعايير في استبعاد العديد من الخريجين الجُدد الذين قد يكونون مؤهلين وذوي كفاءات عالية لمجرد أنهم تخرجوا في الأعوام القليلة الماضية. وهذا يخلق نوعًا من التباين بين الجيل القديم والجديد من الخريجين، مما يثير قضايا تتعلق بالإنصاف والعدالة في فرص التوظيف.

وفيما يلي نرصد الآثار السلبية للمعايير الحالية:

  1. إحباط الخريجين الجُدد؛ حيث يشعر الكثير من الخريجين الجدد بالإحباط وعدم العدالة عندما يجدون أنفسهم مستبعدين من المنافسة على الوظائف بسبب معايير لا يمكنهم التحكم بها. وهذا الإحباط يمكن أن يؤثر سلبًا على معنوياتهم ودافعيتهم. إن الشعور بالإقصاء المبكر يمكن أن يؤدي إلى فقدان الأمل والثقة في النظام الوظيفي، مما يؤثر على مساهمتهم المحتملة في التنمية الاقتصادية.
  2. فقدان الكفاءات الشابة، فقد يؤدي الاعتماد على الأقدمية إلى فقدان الفرص للاستفادة من الكفاءات الشابة المتميزة التي يمكن أن تضيف قيمة كبيرة إلى بيئات العمل. الكفاءات الشابة غالبًا ما تكون أكثر انسجامًا مع التقنيات الحديثة وتتمتع بروح الابتكار والإبداع، وبالتالي فإن فقدانهم يعني فقدان فرص كبيرة للتطوير والتحسين.
  3. تعطيل النمو الوظيفي، التمسك بالأقدمية كمعيار رئيسي قد يحد من فرص التطور الوظيفي ويؤدي إلى تعزيز الجمود في بعض المؤسسات؛ حيث يتم تفضيل الخبرة الزمنية على الابتكار والتجديد. هذا يمكن أن يؤدي إلى بيئة عمل غير متطورة تفتقر إلى الحوافز للتجديد والإبداع.

لذا من المهم إعادة النظر في معايير الفرز الوظيفي لضمان تحقيق العدالة والشمولية. بدلًا من التركيز المفرط على الأقدمية، ويمكن تبني نهج متعدد الأبعاد يأخذ في الاعتبار الجوانب التالية:

  1. الكفاءة والمهارات: التركيز على مؤهلات المتقدمين، مهاراتهم العملية، وإنجازاتهم الأكاديمية والمهنية. حيث يمكن اعتماد نظام نقاط يشمل جميع هذه العوامل لضمان تقييم شامل للمتقدمين.
  2. التدريب المستمر: دعم السياسات التي تشجع على تنمية المهارات وفرص التدريب المستمر لجميع الخريجين، مما يساعدهم في البقاء مؤهلين ومنافسين في سوق العمل. كما يمكن للجامعات والشركات توفير برامج تدريبية تستهدف تحديث المهارات وتلبية احتياجات السوق المتغيرة. تعزيز التدريب المستمر يساهم في تطوير بيئة عمل أكثر كفاءة وتنوعًا.
  3. التقييم الشامل: اعتماد أساليب تقييم شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الشخصية والمهنية للمتقدمين، مثل مقابلات العمل التفصيلية، والاختبارات المهنية، والمشاريع العملية. ويمكن أن تساهم هذه الأساليب في تقديم صورة متكاملة عن مؤهلات المتقدمين وقدراتهم.
  4. المساواة في الفرص: ضمان أن تكون جميع الفرص الوظيفية متاحة للجميع بغض النظر عن سنة التخرج أو العمر، وذلك من خلال تعزيز الشفافية والمساواة في إجراءات التوظيف. حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال وضع سياسات واضحة ومعلنة للجميع تتضمن المعايير المتبعة في عملية الفرز.

ويمكن للتكنولوجيا أن تؤدي دورًا حاسمًا في تحسين فرص التوظيف. فمن خلال منصات التعلم عبر الإنترنت وبرامج التدريب الرقمي، يمكن للخريجين الجدد اكتساب المهارات المطلوبة في السوق بسرعة وفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الفرز الوظيفي لتقديم تقييم أكثر دقة وشمولية لمهارات المتقدمين.

وعلى الشركات والمؤسسات تحمل المسؤولية الاجتماعية والمساهمة في توفير فرص التدريب والتوظيف للشباب. ويمكن للمؤسسات الكبيرة تبني برامج تدريبية وتوظيفية تستهدف الخريجين الجدد، مما يساهم في تقليل معدلات البطالة وتعزيز التنمية المستدامة في المجتمع.

إنَّ إعادة النظر في معايير الفرز الوظيفي واعتماد نهج شامل وعادل يمكن أن يسهم في تحقيق بيئة عمل متنوعة وديناميكية. كما يجب على المؤسسات أن تدرك أن الكفاءة والمهارات هي ما يصنع الفارق الحقيقي في الأداء الوظيفي، وليس مجرد الأقدمية الزمنية. دعونا نعمل معًا من أجل مستقبل وظيفي أكثر عدالة وشمولية؛ حيث تُتاح الفرص لجميع الخريجين ليقدموا أفضل ما لديهم، بغض النظر عن سنة تخرجهم أو عمرهم. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاونًا شاملًا بين جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق العدالة والتنمية المستدامة في المجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك