مرتضى بن حسن بن علي
تُواجه عُمان تحديات صعبة في الاقتصاد، والمالية العامة، والركود الاقتصادي، والكساد، وصعوبة في خلق فرص عمل، والتي ستزداد بسبب انكماش الاقتصاد، بينما مؤسسات التعليم ترفد سوق العمل بالآلاف من الشباب والشابات، وكل تلك تحديات وصعوبات كانت تُواجهها في كل مرة تنخفض خلالها أسعار النفط، وذلك لاعتمادها شبه الكامل عليه، بالرغم من كل خططها الخمسية المُتوالية المستهدفة تنويع مصادر الدخل، إلّا أن اقتصادنا ظل ريعيًا يعتمد على الموارد الطبيعية، ويوّلد مشاكل عديدة، وهو المسؤول عن عدم خلق وظائف معقولة.
لذا من المهم الفصل بين الميزانية المرتكزة على ارتفاع أسعار النفط وما يسبّبه من نمو في الناتج المحلي، وبين القاعدة الاستهلاكية والإنتاجية وحجم الطبقة المتوسطة وانكماشها يكشف حالة الاقتصاد. الكساد جاثم بشكل واضح، والاقتصاد يستند وبشكل شبه كامل على ارتفاع أسعار النفط، والذي يتيح للحكومة الإنفاق على المشاريع والرواتب ومختلف أنواع الصرف.
الفترة من منتصف عام 2014 وحتى 2022، كانت عصيبة، بسبب انخفاض أسعار النفط والمصروفات الاستهلاكية الكبيرة لفترة طويلة، وترتب على ذلك عجز مستمر في الميزانية، واضطرار الحكومة للاقتراض ووصلت الديون إلى مرحلة خطرة وحرجة. واعتمدت عُمان في تنميتها وبناء بنيتها التحتية وتعيين الموظفين وزيادة رواتبهم على إيرادات النفط، وعليه هناك ضرورة قصوى لإيجاد تغييرات هيكلية في الاقتصاد والتعليم. ورأت الحكومة أنها غير قادرة على الاستمرار في القيام بدور الدولة الريعية، وتقديم خدمات مجانية أو بأسعار رمزية. لم يعد هذا الأمر قابلا للاستدامة، دون أن تبحث في وسائل سهلة جديدة للتمويل، ومنها ضريبة الدخل على الشركات والضرائب الأخرى، ومن دون إجراء دراسات اقتصادية مُعمقة حول تأثيراتها السلبية. فرض ضريبة الدخل يُعبر بوضوح عن انتهاء فترة الحقبة النفطية.
الدول الغربية وغيرها التي تفرض الضرائب، هي دول مُنتجة وتستعمل الضرائب لتقديم خدمات مختلفة مع وجود مجالس منتخبة مختلفة تقوم بمراقبة أوجه الصرف ومحاسبتها، وهي لا تمتلك الثروات الطبيعية، وإنما تمتلكها الشركات المختلفة. والمشاريع التي كانت تمتلكها الحكومات سابقًا مثل مشاريع السكك الحديدية ووسائل المواصلات المختلفة وبعض السلع ومعامل السيارات باعتها إلى الشركات باستثناء الدول الشرقية التي اتخذت لعقود عديدة المبادئ الشيوعية قاعدة لها، وسيطرت سيطرة كاملة على الأرض وعناصر الإنتاج، وتوزيع السلع والخدمات. اقتصاديات الدول الغربية نشطة ومنتجة، وعندما تعيش المجتمعات على إيرادات الحكومة من مواردها الطبيعية التي قد تنضب في أي وقت، يغيب عنها طابع الإنتاج، والرواتب الكبيرة تقصم ظهرها.
ومن سلبيات فرض ضريبة الدخل على الأفراد "عبء الامتثال"؛ فمن الصعب والمكلف التعامل مع قوانين الضرائب على الأفراد، وهي تقلل حوافز العمل بجدية، وتؤدي إلى التهرب من دفعها، وهروب الأموال والودائع للخارج تسبب شح في السيولة، وبالتالي إلى ارتفاع الفائدة البنكية والتضخم. وعلى الأغلب سوف تضطر الحكومة لتعيين عدد كبير من الموظفين للقيام بتلك المهمة، والذين سوف يشكلون عبئًا إضافيًا تذهب معها أية مبالغ قد تجنيها الدولة.
الضرائب ستَفْرِضُ على الحكومة استحقاقات سياسية مُعيّنة، قد تجد صعوبة في تحقيقها، إذ إنَّ دافعي الضرائب سوف يطالبون بإخضاع الإنفاق لرقابة تشريعية، وإلى مبادئ الحوكمة والشفافية، وتحسين كفاءة الخدمات العامة المقدمة؛ مما سيستدعي وجود عقد اجتماعي مختلف بين الحكومة والمجتمع، ومن المهم في هذه الفترة بذل كل الجهود لمعالجة الركود الاقتصادي وتحسين تنافسية عُمان.
ومن سلبيات الضريبة ما يلي:
- أنها ستزيد العبء المالي على الأفراد المعنيين، وهؤلاء سوف يحولونها إلى مصاريف الشركات مما قد يرفع أسعار السلع والخدمات. والأفراد المتأثرون أيضًا سوف يدفعون الضريبة مرتين؛ مرة على فوائد الشركات، والمرة الثانية على الضريبة على الأرباح الموزعة. وصاحب العقار يدفع ضريبة البلدية على عقود الإيجار، والضريبة على أية فوائد يُحققها.
- التأثير سلبًا على الاستثمارات وتقليل جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية والداخلية.
ويمكن اتباع أساليب أخرى لجمع الإيرادات بدلًا من فرض الضريبة مثل:
- رفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1% على السلع والخدمات المستهلكة؛ فهذه النسبة سوف تكون أقل ضررًا من ضريبة الدخل على الأفراد، ويمكن الحصول عليها بسهولة.
- تحسين كفاءة جباية الضرائب لتشمل كل الشركات؛ إذ إن عددًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة ربما تُحقق أرباحًا متباينة، ولا تعمل ميزانيات رسمية مُدققة، وبالتالي غير خاضعة للضرائب.
- تنويع مصادر الدخل الحكومية من خلال تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى، وجذب المزيد من الاستثمارات التي سوف تخلق فرص عمل جديدة ومتنوعة من دون الحاجة إلى فرض ضريبة الدخل على الأفراد، وبذل كل الجهود لمُعالجة مشكلة إقفال المشاريع والشركات.
ويُمكن على سبيل المثال تطوير السياحة التي سوف تزيد إيرادات الحكومة وتحسن من ميزان المدفوعات، وتخلق عشرات الآلاف من فرص العمل.
في البلدان التي تريد جذب الاستثمارات الأجنبية، فإنَّ الضرائب تؤثر سلبًا على جذبها؛ حيث إن الاستثمارات تعتمد على عدة عوامل مثل: معدلات الضرائب، والسياسات الاقتصادية العامة، إلّا أن اقتصاداتها نشطة وفاعلة، لكن عندما تعيش المجتمعات على إيرادات الحكومة من مواردها الطبيعية التي قد تنضب في أي وقت، يغيبُ عنها طابع الإنتاج، وتصبح عالة على الإنفاق الحكومي، وعلى الرواتب التي تقصم ظهر الحكومة لأجل توفيرها.