سلطان بن محمد القاسمي
لا يليقُ بنا أن نحسب أيام العمر تمضي دون رؤية واضحة وسبيل بيّن في هذه الحياة. إن أي إنسان يرغب في إدراك الحياة الحقيقية ومعناها، لابد له من محطات يقف عندها لمُراجعة مستقبله وتحديد خطواته. العشوائية هي درب من لا درب له، وهي فوضى لمن لا هدف له، أشبه بالتيه والضياع. للأسف، كثيرٌ منَّا لا يشعر بمأساة ذلك لكثرة ما نقع فيه.
لذا.. سأتوقف عند محطات أراها ضرورية لتكون زادًا لنا في مسيرتنا، تساعدنا في إنعاش الحياة وإدامتها بدلًا من أن نعمل على إنهائها بلا هدف ومُتعة.
وضوح الرؤية وتحديد الأهداف
أولى المحطات التي يجب أن نُوليها اهتمامًا كبيرًا هي تحديد الأهداف ورسمها وصياغتها بشكل واضح ودقيق. الحياة لا يمكن أن تستمر ونحن نتنقل بين أرجائها بلا هدف، نلهو ونلعب وننتظر أن يهلكنا الدهر ونحن في شتات. لذا، يجب أن نتوقف عند هذه النقطة لنرسخ أهدافنا ونُحددها بوضوح، حتى لا نضيع في الأنفاق المُظلمة ونتخبط بحثًا عن بصيص أمل في نهايتها.
تحديد الهدف والغاية، وترتيب الأوراق والجهود لتحقيقه، أمر لا بد منه. لنتأمل الآن بعمق: ما هو هدف كل واحد منَّا؟ مهما كان الهدف، المهم أن يكون ساميًا ونبيلًا. لا ينبغي أن نقعد بلا هدف، فهذا هو بداية الضياع. قد تكون أهدافنا متنوعة ومختلفة، مثل التميز في مجالات متعددة، بلوغ المراتب العليا في العلم، إقامة معهد تعليمي، إنشاء مؤسسة ذات تأثير مجتمعي، خدمة فئة معينة من المجتمع، أو حتى تصنيع معلم حضاري يخلد في الذاكرة.
يمكن أن يكون الهدف أيضًا اختراع جديد يضيف للحياة شيئًا جديدًا، أو أن تكون أستاذًا أو مديرًا، أو تعلم لغة جديدة، وغيرها من الأهداف الطموحة. هذه الأهداف ليست نهائية بل هي مرحلية، فإذا أنجزناها، فإنها تقودنا إلى مستويات أعلى من التَّميز والنجاح. فالمعالي هي غاية النبلاء وهدف المثابرين.
عزيمة لا تلين
بعد تحديد الأهداف، نحتاج إلى عزيمة وإصرار وإرادة قوية لبلوغ تلك الغايات. طريق المعالي ليس سهلًا، ولا يخلو من صعاب وعقبات ومثبطات. الإرادة والمُثابرة هما الطاقة الدافعة والمحركة للسعي الحثيث نحو الأهداف. مُعظم نجاحات العالم سبقتها مئات المحاولات، لكن لا يأس لمن رام العلا. أديسون، قبل اختراعه للمصباح الكهربائي، حاول أكثر من 10000 مرة ولم يُسمها محاولات فاشلة بل تجارب لم تنجح. نتعلم من هذا المخترع الصبر والثقة بالنفس والتفاؤل. وقد قال: "تعلمت 10000 طريقة خطأ لصنع المصباح."
المعرفة كنز لا يفنى
وجود الهدف والإرادة لا يكفيان لتحقيق المراد ما لم يدعمهما المعرفة والتعلم وامتلاك أدوات المسير. المعرفة هي رأس المال الحقيقي. قال تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ". ورد في الأثر عن بعض العلماء: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم أيضًا". العلم سلاح لا غنى عنه، وهو من مدارج السالكين في دروب المعالي. إذا أردنا أن نُواصل المسيرة، فعلينا بالعلم والاستزادة من فيوضه وخيراته.
إدارة الوقت بحكمة
كل ما ذُكر أعلاه يتطلب جدول مواقيت وانتظامًا في الأداء. احترام الوقت هو مناط ذلك كله. ترك الأمور بدون خطة زمنية يعني ضياع الهدف ومرور الأيام دون جدوى. لتحقيق الهدف وبناء رأس المال، يجب أن نضع في الحسبان أنَّ العمر أيام تمر مر السحاب ولن تتوقف لأحد. علينا أن نُجدول إجراءاتنا اليومية أو الأسبوعية أو السنوية لئلا نصل لنهاية العمر ونلوم أنفسنا. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. نبّه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نعمة الوقت من خلال الصحة والفراغ: "نِعْمَتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحةُ والفَراغُ". وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المُقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته".
هذا لمن أراد أن يعرف نفسه إلى أين هو ذاهب، وهو المنطق المرجو من كل إنسان. لا ينبغي أن نبقى مُتخبطين في متاهات العمر، لا ندري ماذا نصنع. وضع الهدف والإرادة والمثابرة، المستندة إلى رأس مال المعرفة والعلم، هي طريق من رام المعالي، وكل هذا يرعاه الوقت، وما أغلى الوقت، فهو العمر. بالتخطيط والإصرار والمعرفة وإدارة الوقت بحكمة، نستطيع أن نُحقق أهدافنا ونصل إلى قمم النجاح.
وللمقال بقية إن شاء الله.