راعِ مشاعر موظفيك
د. صالح الفهدي
في أحد الاجتماعات التي ترأسها رئيس وحدة، وحضرها وفدٌ أجنبيُّ إلى جانبِ وفدٍ من الوحدة، وأثناء حديث أحد موظفي الوحدة باللغةِ الأجنبية أخطأ في نطقِ كلمةٍ أجنبية، فسارع رئيس الوحدة إلى السخريةِ منه، وعرَّضه إلى الإِحراجِ أَمام الحضور، انتهى الاجتماع، لكنَّ ذلك الإحراج بقي صداهُ غير المريح في نفس الموظف سنواتٍ عديدة!!
الرئيس الوازن هو الذي يحفظُ مشاعرَ مرؤوسيه، ويُراعي كرامتهم، ولا يؤذي أحاسيسهم، بل يضعُ لهم اعتباراً وتقديراً أمام أنفسهم، وأمام الآخرين، فذلك ما يزيدُ من مستوى الثقة في أنفسهم، ويُشعرهم بأهميتهم في الوحدة، وقيمتهم في بيئة العمل، فإِذا كان رئيس الوحدة بهذا الخصال انتشرت في الوحدة ثقافة التقدير بين أفرادها، أما إذا كان رئيس الوحدة مترصِّداً ينتهزُ الفرصة حتى يسخر من موظفيه فإِن ذلك يعني نقصاً في رُشدِه، وضعفاً في قيادته!.
في أحوالٍ أُخرى، قد يكون أحد موظفي الوحدة قائماً على خدمةِ أحد أصحاب المصالح، لكنَّه يتفاجأ بتدخُّلِ رئيس الوحدةِ دون سبب ليسحب منه البساط أمام صاحب المصلحة، فيقضي هو مصلحته ليترك موظفه مُحرجاً، ومستغرباً من موقفِ رئيسهِ الذي لم يحفظ له مقامه أمام الآخرين، بل ويشكُّ في أنه قد ارتكبَ خطأً استحقَّ عليه تدخُّل الرئيس ليعاقبه عليه!.
إن رعاية رئيس الوحدة لمكانة موظفيه، ومشاعرهم، أمرٌ جوهري في تأسيس علاقة أصيلة بين الطرفين، فإِن وقعَ خطأٌ من الموظف أصلح الرئيس خطأهُ بالنصحِ الذي يحفظ له كرامته بعيداً عن سمعِ وبصرِ الآخرين، ذلك لأنه ما من شيءٍ أشدُّ تأثيراً على الإنسان من إقناعهِ بأنَّهُ إنسانٌ تافه!، فذلك مما يقوِّضُ ثقتهُ في نفسه، ويدمِّرُ ما استجمعهُ من طاقةٍ وقوة لكي يطوِّرَ من ذاتهِ، ورغم أنَّ الحكمة تقتضي أن لا يتركَ الإنسانُ نفسه مسلوبَ الإرادةِ، مغلوباً على أمرهِ، يشعرُ بالإنهزاميةِ لكلمةٍ، أو لموقفٍ مُحرج، إلا أنَّنا -ونحنُ في معرض توجيهنا لرسائل إلى رئيس الوحدة- نرى أنَّ إحراج الرئيس لموظفيهِ أمرٌ شائنٌ، لا يعودُ عليهِ إلا بالزرايةِ والسُّخطِ والتذمُّر من قبلهم.
إن حصادَ تقدير الرئيس لموظفيه، وحفظ كرامتهم، ومراعاة مشاعرهم يضمنُ الآتي:
أولاً: رفع مستوى الثقة في أنفسهم، وذلك من خلال التقدير المستمر للرئيس لهم، والتجاوز عن الأخطاءِ غير المقصودةِ الصادرةِ منهم.
ثانياً: يصبحُ الرئيس قدوةً مُلهمةً لموظفيه، يرون فيه القائد الذي يدفعهم إلى تطوير قدراتهم، وتعزيز مهاراتهم.
ثالثاً: تكونُ بيئة العمل جاذبةً، مشجِّعةً لأفرادها، لأنها بيئة تقومُ على الإصلاح بالتي هي أحسن أُسلوباً ولغةً وسلوكاً.
كلُّ ذلك يصبُّ في صالح تجويدِ وتحسين الأداء داخل الوحدة، لأنَّ الرئيس وهو مصدر الثقافة التنظيمية قد كان قدوةً محفِّزةً، ومقدِّرةً لموظفيه، لا يحاسبهم على هِنَّةٍ، ولا يحرجهم على كلمةٍ خاطئةٍ، بل يكونُ لهم رافداً لتقويةِ عزائمهم، وتصحيحِ مساراتهم، فإِن وجدَ في أحدٍ ضعفاً قوَّاهُ بتدريبٍ ما، وإن وجدَ في أحدٍ نقصَ معرفةٍ نمَّاهُ بتعليمٍ ما، وهكذا تصبحُ معالجة المشكلات في حدِّ ذاتها تحفيزاً وترقيةً وتقديراً لا إحباطاً وتسفيهاً وتحقيراً.