ألقاب الحكم.. "لقب السلطان" أنموذجًا

 

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

تعددت ألقاب الحكم عند العرب والمُسلمين وغيرهم من الدول والشعوب على مستوى العالم، ومن هذه الألقاب لقب "سلطان" و"ملك" و"خليفة" و"إمام" و"رئيس" و"أمير"، وكنَّا نفكر في الكتابة عن هذا الموضوع منذ سنوات طويلة، ومنذ أن سُئِلَ السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- عن سبب تسمية عُمان سلطنة وحاكمها لُقِبَ بلقب سلطان، ولم لم يتم تغيير اللقب إلى مَلِك؟! ردَّ جلالته- رحمه الله- قائلًا: "إنَّ الملك لله، والسلطان من السُّلطة، ونحن نستفيد من تراثنا وموروثنا في هذه التسمية".

وأذكر أنَّ الصحفي أو الإعلامي الذي سأل جلالته هذا السؤال هو صحفي مصري إذا لم تخنِ الذاكرة، وسألت بعض الإخوة الإعلاميين والصحفيين والمؤرخين من العُمانيين، فأخبرني بعضهم أنَّ الصحفي هو أحمد الجار الله، صاحب جريدة السياسة الكويتية. بينما ذكر لي بعضهم أنَّ الإعلامي أو الصحفي الذي سأل هذا السؤال هو مصري (وأغلب الظن أنَّه الإعلامي الراحل سمير صبري)، مؤكدين بذلك على ما ذكرته.

وسنبدأ بالحديث عن بعض ألقاب الحكم بادئين بلقب "خليفة" مرورًا ببقية الألقاب على أن يكون الحديث عن لقب "سُلطان" مسك حديثنا في هذا المقال. ونعتقد أن لقب "خليفة" بدأ بعهد الخلفاء الراشدين، الذين بدأ حكمهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر حكمهم حوالي 29 عامًا، والخلفاء الراشدون بالترتيب هم:

1. أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

2. عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

3. عثمان بن عفان رضي الله عنه.

4. علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

والخليفة هو رأس الدولة في الخلافة، وهو قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية، ويُسمى بذلك، لأنَّ الخليفة هو قائدهم، وهو يخلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وسبب هذا اللقب أنَّ الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه كان يُلقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما بُويع عمر رضي الله عنه للخلافة ناداه النَّاس بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر هذا اللقب في الدولة الأموية، والدولة العباسية، والدولة الفاطمية، ودولة خلفاء الأندلس التي قال عنها الشاعر: علي الحصري القيرواني:

مِمّا ينغّصُني في أَرضِ أَندَلُسٍ *** أَسماءُ مُعتَصِمٍ فيها وَمُعتَضِدِ

أَسماءُ مَملَكَةٍ في غَيرِ مَوضِعِها *** كَالهِرِّ يَحكي اِنتِفاخًا صَولَةَ الأَسَدِ

وهي ما كانت تُسمى دولة "ملوك الطوائف"، أما في الدولة العثمانية فكان رأس الدولة يُسمى "خليفة"، أو "الخليفة العثماني"، إلّا أنه كان يحمل لقب "سلطان"، وتُعد الدولة العثمانية من أكبر الدول وأطولها التي استخدمت هذا اللقب الذي استمر فيها لقرونٍ طويلة حتى سقوط الدولة العثمانية في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.

ومن الألقاب النادرة لقب "شَرِيف"، ويُطلق هذا اللقب على من كان مُعظّمًا بين قومه في المُجتمع العربي، وكان إطلاق هذا اللقب شائعًا على أعيان العرب في العصر الجاهلي، ولما جاء الإسلام خُص اللقب ببيوتات بني هاشم، لشرف نسبهم إلى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فأصبحوا أشراف العرب.

وتطلق الأسرة الحاكمة في الأردن على نفسها "الأسرة الهاشمية" نسبة إلى الشريف: حسين بن علي شريف مكة؛ حيث إِنَّ نَسَبُهُ يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُطلق على أبناء عمومة الملك الراحل الحسن بن طلال لقب "الشريف"، ومن أشهرهم الشريف زيد بن شاكر.

واللقب الذي كان يحمله الشريف حسين لقب شرفي، وليست له صلاحيات إدارية مُحددة، وإنما يُعَيِّنُهُ السلطان العثماني.

وهناك لقب "الشَرِيف"، وهو لقب قائد شرطة، أو مسؤول الأمن، ونشاهده في الأفلام الأمريكية، بزيه والشارة الخاصّة الرسمية.

ومن الألقاب النادرة كذلك لقب "خديوي" أو "خديو"، وهو لقب اختُص به ولاة مصر العثمانية دون غيرها من ولاة الدولة العثمانية منذ عام 1866، وحتى إعلان السلطنة المصرية في أعقاب فرض الحماية البريطانية على مصر عام 1914، ومن أشهر من حملوا لقب خديوي: الخديوي إسماعيل، والخديوي عباس حلمي الثاني.

وإذا انتقلنا للحديث عن لقب "إمام"، الذي هو لُغة من يُقتدى به في أقواله وأفعاله من رئيس أو غيره، وربما جاءت في الأصل من الإمام الذي يصلي بالناس، وأول من حمل لقب "إمام" هو الإمام: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ومن أوائل الذين حملوا لقب "إمام" هم الأئمة الإباضية الأوائل في عُمان، منذ الإمامة الإباضية في عُمان عام 129هـ في عهد الجُلندى بن مسعود بن جيفر الأزدي، الذي انتُخِب أول إمامٍ للعُمانيين.

وحمل حكام الدولة اليعربية لقب "إمام" طوال مدة حكمهم التي امتدت لأكثر من قرنٍ ونصف القرن تقريبًا.

ويمكن الرجوع لكتاب "عُمان الديمقراطية الإسلامية.. تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث" للدكتور حسين عباس، للتوسع في مجال الحديث عن الإمامات الإباضية في عُمان.

وقد وضع الإباضية شروطًا فيمن يتم اختياره ليكون إمامًا، وقد أشرنا إليها في بحثنا الذي قدمناه في ندوة أقامتها عمادة شؤون الطلاب بمناسبة زيارة السلطان قابوس لجامعة السلطان قابوس عام 2001، وحديثه عن عدم جواز مُصادرة الفكر، ونشر هذا البحث في مقالات بصحيفة أخبار الأدب الإماراتية منذ سنوات.

كما حمل حكام الدولتين السعودية الأولى والثانية لقب "إمام".

وكانت للإباضية إمامة في اليمن من عام 128هـ إلى 130هـ، وامتد نفوذها إلى الحجاز، وكانت بقيادة الإمام عبد الله بن يحيى الكندي الملقب بـ"طالب الحق".

ومن أشهر من حملوا لقب "إمام" أئمة الزيدية في اليمن، التي استمرت لعدة قرون، كما حمل حكام الدولة الفاطمية لقب "إمام"؛ نظرًا لانتمائهم للمذهب الشيعي.

وكان يُطلق على بعض كبار العلماء من المسلمين لقب "إمام" كالإمام الغزالي، والإمام محمد عبده وغيرهم، كما يطلق على شيخ الأزهر لقب "الإمام الأكبر".

وننتقل للحديث عن لقب "مَلِك"، الذي ذكِرَ في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة: 20)، وقوله تعالى: "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ" (النمل: 34)، وذلك في الحديث عن بلقيس ملكة سبأ، التي قد تكون من أقدم من حمل لقب ملك في الجزيرة العربية.

وكان في اليمن قديمًا من يحملون لقب "ملك"، وبخاصة في حِمْيَر، وهم قوم تُبَّع، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، ولقب "تُبَّع" في اليمن من أيام الجاهلية، مثل لقب الخليفة في الإسلام، وهو أيضًا مثل لقب فرعون وهامان.

ومن أقدم من حمل هذا اللقب في الجزيرة العربية ملوك الغساسنة وملوك المناذرة.

ومن أشهر من حمل هذا اللقب في الجزيرة العربية أيضًا الشاعر: امرؤ القيس، الذي كان يلقب بـ"الملك الضليل".

ومن أشهر من حمل هذا اللقب أيضًا النجاشي ملك الحبشة، لأنَّ النجاشي لقب كان يطلق على ملوك الحبشة.

ومن أقدم من حمل لقب "ملك" من أهل عُمان: عبد وجيفر ابني الجُلندى، اللذيْن كانا يلقبان بملكي عُمان، وكان مقر حكمها في صحار، وقصتهما مع الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم معروفة.

ويرى بعض المؤرخين العُمانيين أنَّ بعض حكام النباهنة كان يحمل لقب "ملك"، ولهذا سموهم بـ"الملوك الجبابرة" لأسباب ليس هنا مكان الحديث عنها.

ومن أشهر من حمل لقب "ملك" في المنطقة شاه إيران: محمد رضا بهلوي، الذي يلقب نفسه بـ"الشاهشاه" أي ملك الملوك.

وإذا انتقلنا إلى لقب "سُلطان"، فإنِّه من أقدم الألقاب وأكثرها شهرة وانتشارًا في التاريخ، ومن بين من حملوا لقب "سلطان" هم حكام الدولة العثمانية منذ بداية تأسيسها على يد السلطان: محمد الفاتح إلى سقوط الدولة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ودامت مدة حكم الدولة العثمانية قرابة الستة قرون.

ومن الدول الإسلامية التي حمل حكامها لقب "سلطان" سلاطين السلاجقة، وسلاطين الدولة المملوكية، وسلاطين الدولة الأيوبية في مصر.

ومُعظم ممالك الهند كانت تحمل اسم سلطنة، وحاكمها يحمل لقب "سلطان" مثل "سلطنة دلهي"، و"سلطنة حيدر أباد" وغيرها، واستمرت هذه السلطنات إلى مجيء الاستعمار البريطاني، الذي سعى لإلغاء هذه السلطنات الإسلامية واحدة تلو الأخرى.

وكان فيما كان يسمى باليمن الجنوبي عدد من السلطنات وحاكمها كان ممن يحمل لقب "سلطان" كالسلطنة القعيطية، والسلطنة الكثيرية، وسلطنة المهرة، وسلطنة العوالق العليا، أما مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبد العزيز بن سعود فقد حمل ثلاثة ألقاب: الأول هو أمير نجد، ثم سلطان نجد، ثم ملك المملكة العربية السعودية بعد انضمام سلطنة نجد ومُلحقاتها إلى مملكة الحجاز.

وكان لقب "سلطان" موجودًا في مصر، وأول من تلقب به هو السلطان حسين كامل من 19 ديسمبر 1914، وحتى 19 أكتوبر 1917، وتولى حسين كامل السلطنة المصرية بعد عزل الإنجليز للخديوي عباس حلمي الثاني، واستمر هذا اللقب إلى عهد أحمد فؤاد، والد الملك فاروق الأول، الذي حمل لقب "سلطان" ثم تلقب بعد ذلك بلقب "ملك".

أما في المغرب، فقد بُويِع محمد الخامس سلطانًا على المغرب في 17 نوفمبر 1927، ووالده يوسف كان يحمل لقب سلطان أيضًا، وتمَّ تغيير هذا اللقب ليحمل محله لقب "ملك" عام 1957.

وإذا انتقلنا إلى تاريخ لقب "سلطان" في عُمان، فإن دولة بني نبهان من 1154م إلى 1624م تكاد تكون أول من ظهر فيها هذ اللقب، وحكمت أسرة بني نبهان عُمان قُرابة الخمسة قرون، وكان حكمهم على فترتين: الأولى: من عام (549هـ، 1154م) إلى (906هـ، 1500م). والثانية: من عام (960هـ، 1500م) إلى (1034هـ، 1624م).

وحمل مُعظم حكام هذه الأسرة لقب "سلطان"، بينما يرى بعض المؤرخين العُمانيين أن بعضهم حمل لقب "ملك"، ولهذا سموهم بـ"الملوك الجبابرة". ومن أشهر سلاطين بني نبهان، السلطان: سليمان بن سليمان النبهاني، الشاعر المعروف. وللنباهنة العديد من الإنجازات إلّا أنَّ بعض المؤرخين العُمانيين سخط عليهم، أو تحامل عليهم بسبب حكمهم الوراثي، وبسبب بعض الأخطاء التي اقترفها بعضهم.

وإذا انتقلنا إلى مسك الختام، وهو الحديث عن لقب "سلطان" في العصر الحديث، فإنَّ بعض المؤرخين العُمانيين يرى أنَّ سلطان بن أحمد بن سعيد هو أول من تلقب بلقب "سلطان" من الأسرة البوسعيدية، وكان والده أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية يحمل لقب "سيد"، وهو اللقب الذي كان يطلقه اليعاربة على وُلاتِهم، وأحمد بن سعيد كان يحمل لقب "سيد" بصفته كان واليًا على صحار. ويرى بعض المؤرخين العُمانيين أنَّ أحمد بن سعيد حمل لقب "إمام" لأسباب واعتبارات لا مجال لذكرها في هذا المقال.

وغلب لقب "سيد" على بعض الحكام العُمانيين كسعيد بن سلطان، والسلطان: سعيد بن تيمور، الذي يسميه الكثير من العُمانيين "السيد سعيد"، وبعد وفاة السيد سعيد بن سلطان، وتقسيم الإمبراطورية العُمانية من قبل بريطانيا، حمل أولاده وأحفاده لقب "سلطان" إلى قيام الانقلاب في زنجبار في عهد السلطان: جمشيد بن عبدالله، آخر سلاطين الدولة البوسعيدية في زنجبار.

ونُشير هنا إلى أنَّ لقب "سيد" ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا" (الأحزاب: 67)، والسيد هو كبير القوم وزعيمهم ورئيسهم، أما السلطان فإنه مشتق من السُلطة كما قال السلطان الراحل في المُقابلة التي أجريت معه، وقد ورد في القرآن الكريم بهذا المعنى كما فى قوله تعالى: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا" (الإسراء: 65)؛ أي: ليس لك عليهم قوة.

وقد اطّلعت على البطاقة الشخصية للسُّلطان الراحل: قابوس بن سعيد، التي أهداها لمكتبه معالي السيد محمد بن أحمد- رحمه الله- ووجدت أنَّه مكتوب عليها (قابوس بن سعيد بن تيمور البوسعيدي)، وعندما سأله الوزير السابق محمد بن موسى اليوسف عن اسمه، أجاب: بهذا الاسم الذي ذكرناه.

ونختم مقالنا هذا بثلاثة أمور:

الأول: أنَّ لقب "سلطان" موجود حاليًا في ثلاث دولٍ هي: (سلطنة عُمان، وسلطنة بروناي، وماليزيا).

الثاني: هو تجربة فريدة لحكم وراثي ملكي، ولكن يُطلق على رأس الدولة فيها لقب (رئيس)، وهذه الدولة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، ولهذا الموضوع أسباب وحيثيات، وسياقات تاريخية هي التي أدت إلى وجود هذه الحالة الفريدة، لأنه في العادة يكون لقب "رئيس" في الدول الجمهورية.

الثالث: فهو عبارة عن استفسار أو تساؤل عن البدايات الأولى لنشوء لقبي "سلطان" و"ملك"، أو الأسس والقواعد والضوابط التي قامت عليها المماليك والسلطنات من الوجهة التاريخية والدستورية، ولعل في بعض الوثائق والأدبيات القديمة ما يجيب على هذا التساؤل.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك