رسائل إلى رئيس الوحدة (3)

د. صالح الفهدي

قَدِّر جهود موظفيك

الرئيس الذي لا يحيط عِلمًا واطِّلاعًا بجهود موظفيه هو رئيسٌ منفصلٌ عن وحدته، يُغرِّدُ وحده في فضاءات سُلطته، أمَّا الرئيس الذي يُحيط بجهودِ موظفيه ومع ذلك لا يقدِّر تلك الجهود فهو متَّصلٌ منفصل! ينطبقُ على الإثنين قول الشاعر:

إن كنتَ لا تدري فتلكَ مصيبةٌ

وإن كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظم!

أعلمُ عن تقدير بعض رؤساء الوحدات جهود موظفيهم، فيجتهدون في تقديرهم، ويعملون على تحفيزهم ومكافأتهم، وفي المقابل هناك من الرؤساء من لا يكترثُ بالجهود التي يبذلها موظفيه، ويؤمنون بأنهم يتقاضون راتبًا شهريًا عن جهودهم، بل يطالبهم ببذل المزيد دون مقابل، حتى يصل ببعض موظفيهم إلى أسوأ الحالات النفسية وهي حالة "الاحتراق الوظيفي" أي وصول الموظف إلى حالة نفسية مُزرية تُخرجه من نطاق السيطرة على قدراته، وانفعالاته، ويُصبحُ مشلول القُوى عن بذل مزيدٍ من الأداء والإنجاز.

لقد شَهِدتُ على جهود بعض الموظفين في وحدات معيَّنة لم يتلقُّوا فيها أي اعتبارٍ لجهودهم التي يبذلونها بعد ساعات الدوام الرسمي دون أن يلاقوا أي مقابلٍ لتلك الجهود، الأمر الذي حدا بكثيرٍ من الموظفين إلى الانسحاب من هذه البيئة إلى أُخرى محفِّزة، ومقدرة لجهد الموظف، فالشعور بالتقدير عنصرٌ رئيسي لبقاء الموظف في الوحدة، أما حين يفتقد الموظف لهذا العنصر فإِنه لا يعملُ بكفاءته الأصيلة، ولا بروحه المعنوية التامة وإنَّما بجهدٍ مُقِلِّ، وهمَّةٍ ضعيفة، وتدريجيًا يبدأ الانسحاب نفسيًا (الشعور بعدم تقبُّل بيئة العمل، والاكتئاب، والإحباط) وجسديًا (بكثرة الغياب، والتسكع في الوحدة، وقلَّة الأداء، والتقصير في الواجبات) وهذا يتحمَّله رئيس الوحدة الذي يفترضُ أن يكون وراءَ ثقافة التقدير أو الإحباط السائدِ فيها.

أخبرني أحد الذين كدُّوا واجتهدوا أيَّما اجتهاد في وحدته فاصبح هو اليد اليُمنى لرئيس الوحدة أنَّه حينما فكَّر في نظام التقاعد في تلك الوحدة أصابه الرعب مما يمكن أن يحصل عليه ماديًَّا حينما يتقاعد، فتحدَّث إلى رئيس الوحدة لكي يرفعُ من راتبه حتى يحسِّن من دخلِ التقاعد، لكن المفاجأة أن الرئيس لم يقدِّر جهوده العظيمة التي بذلها طوال سنين، وتركه يخرجُ ساخطًا متذمرًا مما لقيه من رئيسه!.

إن تقدير رئيس الوحدة لموظفيه له نتائجه الإيجابية المُلفتة، ومنها:

أولًا: إشعار الموظفين بالقيمة والتقدير في بيئة العمل، وهو ما يعزِّز لديه الدافعية لتطوير وتحسين جودة العمل بصورة متصاعدة.

ثانيًا: تقدير الموظف يرسِّخ فيه قيم الولاء والانتماء للوحدة، وهي قيمٌ أساسيَّة إذ أنها تؤسس العلاقة الوثيقة بين الموظف والوحدة التي يعمل فيها.

ثالثًا: يُسهم التقدير في نشر ثقافة إيجابية محفِّزة في بيئة العمل، فيمنح الموظف الشعور بأنَّ جهوده لا تضيعُ هدرًا، وأنَّها محلُّ اهتمامٍ واعتبارٍ من قِبل رئيس الوحدة الذي يعمل جاهدًا على تهيئة الظروف المناسبة معنويًا وماديًا لإسعاد الموظف، وتوفير العوامل الضامنة لبقائه مدةً أطول في الوحدة.

رابعًا: يُشعر التقدير الموظف بأن رئيس الوحدة يعتني به، وبتضحياته التي يقدِّمها، إذ أن وقته الذي يقضيه خارج ساعات الدوام إنَّما هو على حساب وقت أُسرته، ووقت راحته، وترفيهه، لكن حين يُكرَّم ويقدَّر على هذه التضحيات فإنَّ ذلك يخفِّف عليه الضغوطات الاجتماعية والمادية والنفسية التي يعاني منها.     

إنَّ تقدير الموظف هو أمرٌ لا يمكنُ التهاونُ عنه، فذلك هو الشعور الصامت الذي قد ينفجر بصورٍ شتى إمَّا بالخروج المفاجيء من الوحدة، أو ضعف الأداء، أو التقاصرُ عن أداء الواجبات، أو عدم تجاوز ساعات الدوام الرسمي، أو غير ذلك، في حين أن التقدير يأخذُ أشكالًا مختلفة منها المادي والمعنوي لكنَّه يفترضُ أن يكون حاضرًا دون أي جدالٍ في أهميته.

رئيس الوحدة الذي يقدَّر موظفيه هو رئيسٌ حكيمٌ يعتني بالجانب الإنساني الذي لا ينظر إلى الموظف على أنه آلة تعمل، بل ينظر إليه على أنه إنسان يشعر، ويتعب، ويضحي، له جوانب أُخرى في حياتهِ غير العمل؛ له أُسرةٌ وأقارب وأصدقاء واهتمامات لا يجب أن يفرِّط فيها ايضًا وإلّا فإنَّ الوحدة تخسره.