مصرع الرئيس الإيراني.. هل نشهد تحولات داخلية وخارجية؟

 

 

صالح البلوشي

 

بينما كان العالم يترقب لحظة بلحظة آخر تطورات "الهبوط الصعب" للمروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، برفقة بعض المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأبرزهم وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وما تخلل المشهد من أحداث ساخنة مثل قطع الرئيس الأمريكي جو بايدن إجازته الأسبوعية والعودة للبيت الأبيض، وإصدار الكيان الصهيوني بيانًا رسميًا ينفي فيه أي علاقة له بما حدث لمروحية الرئيس الإيراني وموكبه، وانشغال كثير من العرب- كعادتهم- بالسخرية والشماتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات العربية، كانت هناك نقطة ربما لم تلفت نظر الكثيرين وخاصة في العالم العربي، وهي التي سنتحدث عنها في هذه السطور.

وسط كل هذه التطورات السريعة والاهتمام العالمي بما يحدث في الجبال القريبة من حدود جمهورية أذربيجان؛ حيث تحطمت المروحية الرئاسية، تواصلت مع بعض الصحفيين والإعلاميين والأصدقاء في بعض المحافظات الإيرانية، خاصةً في العاصمة طهران، لأسألهم عن الأوضاع وردود فعل المواطنين وهل أعلنت إيران حالة الطوارئ في البلاد، فكان الجواب أنَّ الأوضاع طبيعية جدًا والمحلات والمراكز التجارية تستقبل زبائنها بشكل طبيعي، ولا يوجد عسكري واحد من القوات المسلحة في الشوارع، فقلت لهم إن هذا "الوضع الطارئ" و"الحدث الجلل" المتمثل في سقوط طائرة رئيس دولتهم مع بعض من مسؤوليه الكبار وعدم معرفة مصيرهم حتى الآن، إذا وقع في كثير من الدول، فإنِّه يعني إعلان حالة الطوارئ ونزول الجيش إلى الشوارع وفرض حظر التجول، خشية من استغلال الحدث لتنفيذ انقلاب عسكري.

فأجابوا: إنه بمجرد وقوع الحادثة وعدم قدرة السلطات على العثور على طائرة الرئيس ورفاقه لوقت طويل، تم تفعيل المادة رقم "131" من الدستور الإيراني التي تنص على أنَّه في حالة وفاة رئيس الجمهورية أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة وجود بعض العقبات أو لأمور أخرى من هذا القبيل، يتولى المعاون الأول لرئيس الجمهورية أداء وظائف رئيس الجمهورية ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة..."، وبذلك تم نقل سلطات رئيس الجمهورية إلى محمد مخبر المعاون الأول للرئيس الإيراني، وبالتالي لم يحدث أي فراغ دستوي، وهذا ما يُفسِّر دعوة المرشد الأعلى علي خامنئي للشعب الإيراني، لعدم القلق في أعقاب "حادث صعب" تعرضت له طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي، مؤكدًا أنه "لن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد".

ما حدث في إيران يوم 19 مايو 2024، يؤكد أنه مهما اختلف البعض أو اتفقوا مع "السياسة الإيرانية"، فإنه لا يستطيع أحد إنكار أنها دولة كبيرة ومؤثرة جدًا في الشرق الأوسط والعالم، ولديها مؤسسات دستورية تحافظ على كيان الدولة دون أن تتأثر بوفاة أي مسؤول، مهما كان حجمه، حتى لو كان في مستوى رئيس الجمهورية أو المرشد الأعلى نفسه. والمُطّلع على تاريخ إيران الحديث يرى أنها تعرضت لكثير من الهزات السياسية، كان أبرزها مقتل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في 30 أغسطس عام 1981، عندما كانا في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى في إيران، وكذلك مقتل رئيس السلطة القضائية الدكتور محمد بهشتي، مع 73 مسؤولاً بالحزب الجمهوري الإسلامي منهم 4 وزراء (الصحة، والنقل، والاتصالات، والطاقة)، فضلاً عن 17 عضوًا في مجلس الشورى، منهم محمد منتظري ابن الشيخ حسين علي المنتظري خليفة الإمام الخميني السابق، والعديد من المسؤولين الحكوميين الآخرين، بانفجار ضخم هز مقر الحزب في 28 يونيو 1981.

ووسط فوضى السخرية والشماتة التي اجتاحت معظم وسائل التواصل الاجتماعي العربية، تلوح في الأفق بعض الأسئلة المُهمة؛ وهي: هل تشهد الملفات الإيرانية في المنطقة العربية تحولات مهمة في مرحلة ما بعد "رئيسي- عبداللهيان"؟ وهل سنشهد تحولات إيجابية أم سلبية؟ وهل ستكون لها علاقة بالملف النووي الإيراني وعلاقاتها مع الغرب أم لا؟ وهل سيؤثر كل ذلك على ملف جبهات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني؟