د. يوسف بن حمد البلوشي
تأتي العلاقات الاقتصادية الأردنية العُمانية في إطار الشراكة الاستراتيجية الممتدة بين البلدين الشقيقين، وتقوم على أسس راسخة من التعاون والتنسيق المشترك في شتى المجالات، وتستند هذه العلاقات إلى إرادة سياسية متبادلة لتحقيق المصالح المشتركة، كما تستمد قوتها من الأُطر القانونية والاتفاقيات الثنائية التي تُنظم التعاون الاقتصادي بينهما، لا سيما اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، فضلًا عن انضمام البلدين لمنظمة التجارة العالمية ومنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى.
وشهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، في ظل العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية التي وُقِّعَت بين الجانبين، والتي مهدت الطريق لتعزيز التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات المتبادلة. غير أن المؤشرات الحالية لا تزال دون الطموحات المنشودة لكلا البلدين. فعلى صعيد التجارة الخارجية، احتلت الأردن المرتبة 54 بين الدول المستورِدة من السلطنة، فيما جاءت في المرتبة 38 من حيث الدول المُصدِّرة لسلطنة عُمان. وبلغت قيمة الصادرات العُمانية للأردن نحو 43.8 مليون ريال عُماني في عام 2023، وتتألف بشكل أساسي من الغاز الطبيعي المسال والمشتقات النفطية. بينما سجلت الواردات العُمانية من الأردن حوالي 27.5 مليون ريال، تركزت في المركبات الكيماوية (كلوريد البوتاسيوم)، والمواد الغذائية والأدوية. وتظهر بيانات التجارة الخارجية أن الميزان التجاري يميل لصالح سلطنة عُمان، إلّا أن هذا الحجم من التبادل التجاري لا يزال متواضعًا مقارنةً بالإمكانات الهائلة للتعاون الاقتصادي بين الجانبين.
أما على صعيد الاستثمارات المُتبادلة، فتشير أحدث البيانات إلى أن عدد الشركات المسجلة في سلطنة عُمان، والتي تضم مساهمات أردنية، قد وصل إلى 988 شركة في عام 2023، وبلغت القيمة الإجمالية لهذه المساهمات نحو 78.8 مليون ريال عُماني، بنسبة 37.8% من إجمالي رأس المال المستثمر. وفي المقابل، بلغ عدد الشركات العُمانية المسجلة في الأردن 131 شركة خلال نفس العام، بإجمالي استثمارات بلغت حوالي 35 مليون دينار أردني.
ويواجه الاقتصادان العُماني والأردني- كغيرهما من الاقتصادات الإقليمية والعالمية- تحدياتٍ متزايدةً في ظل التطورات العالمية المتسارعة، وهناك حاجة ملحة لتحليل الديناميكيات والاتجاهات المستقبلية في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم على مختلف الأصعدة والانتقال في العلاقة بينهما الى مستوى الشراكة الاستراتيجية، التي تعكس درجة متقدمة من التعاون والتكامل في مختلف الأبعاد الاقتصادية والسياسية والأمنية والعمل وفق إطار تعاون واضح المعالم ووفق خطة عمل متفق عليها في المدى المتوسط والطويل. ويسعى إلى إيجاد ترتيبات وتفاهمات متصلة بالاستثمار وتطوير القطاع الخاص وتعزيز مكانته في النشاط الاقتصادي، وتحقيق مكاسب اقتصادية والحصول على عناصر قد تكون مفقودة في معادلة التنمية المحلية كاقتصاديات الحجم والتكنولوجيا وغيرها.
ولتحقيق الإمكانات الكامنة لهذه الشراكة الاستراتيجية، يتعين على البلدين الشقيقين تكثيف الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي وتعظيم الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة، فضلًا عن العمل على تذليل العقبات وتسهيل انسياب رؤوس الأموال والسلع والخدمات بينهما. كما يجب الاستمرار في تعميق التنسيق والتعاون المشترك على جميع المستويات لتحقيق المصالح المشتركة ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في البلدين.
وعلى الصعيد الاجرائي، هناك حاجة ملحة الى تعزيز العلاقة على مستوى الشركات ورجال الاعمال وإعادة تشكيل مجلس رجال الاعمال العُماني الأردني، وتمكينه بالأدوات الضرورية للاستفادة من الفرص المتاحة والجاهزة في الدولتين. وتوجد العديد من السبل لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الأردن وعُمان، منها:
- تعظيم الاستفادة من مذكرات التفاهم الثنائي؛ حيث يُمكن للبلدين تعزيز التبادل التجاري من خلال الاستغلال إزالة أي معوقات أمام حركة السلع والخدمات.
- زيادة الاستثمارات المتبادلة من خلال الترويج للفرص الاستثمارية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة من خلال توفير حوافز وامتيازات متبادلة للمستثمرين
- تعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك وخاصة في قطاع الطاقة المتجددة والنظيفة، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية، والسياحة البينية والاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز والارث التاريخي والثقافي الغني لكلا الدولتين.
- يعد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات محل اهتمام واسع من البلدين، وأحد أكثر القطاعات التنافسية وأسرعها نموًا في الأردن؛ حيث تمكن هذا القطاع من جذب عدد كبير من أهم الشركات الكبرى على مستوى العالم. وذلك نتيجة لتوفر العديد من العوامل التي تدعم بيئة الاستثمار فيه مثل توفر القوى العاملة من ذوي المهارات العالية، إضافة إلى توفر البنية التحتية المؤهلة لتنمية وتطوير هذا القطاع ونقله إلى المستويات العالمية.
- قطاع اللوجستيات والميزة النسبية لسلطنة عُمان بموقعها الجغرافي المستقر والبعيد عن الممرات المائية الضيقة المؤهل ليكون مركز انطلاق لواردات الأردن من آسيا والهند وشرق افريقيا.
- في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (الناشئة)، يمتلك الأردن تجربة ثرية في الاهتمام بها وحوكمتها والانتقال بها الى العالمية، وعُمان تمُر بمرحلة مُهمة لبناء الشركات الناشئة لتحقيق التحول المنشود لاقتصاد متنوع يقوده القطاع الخاص.
- أما في قطاع الطاقة المتجددة، يتعين إيجاد تشريعات وحوافز للشركات والافراد للانتقال الى التحول في استخدام الطاقة المتجددة، وكذلك بناء صناعات مرتبطة بها مثل: خلايا الالواح الشمسية والتي يمكن ان تتكامل مع بعض الصناعات العُمانية.
ونختم بالقول.. إنَّ العلاقة الوطيدة والمتجذرة بين البلدين الشقيقين، تستوجب إيجاد أنماط ونماذج شراكات اقتصادية جديدة بين شركات القطاع الخاص في سلطنة عُمان والأردن، لتتماشى مع التطورات والتحولات الاقتصادية المعاصرة.