الرقابة المالية والإدارية.. وحماية المال العام

 

 

عمير العشيت

alashity4849gmail.com

تعدُّ الرقابة المالية والإدارية إحدى أهم العمليات التي تحرص الدول على العمل بها، وهي من العناصر الرئيسية والفاعلة في حماية المال العام، وتحتلُّ العنصر الإستراتيجي في التسلسل الهرمي للضوابط الفاعلة والكفاءة والتخطيط والتنظيم وتحديد المسؤولية، لبلوغ الأهداف، كما توجد العديد من أنواع الرقابة؛ من بينها: الرقابة المالية التي تعني السياسات والإجراءات والوسائل التي يتم من خلاها التحقق من سلامة العمليات التي لها أثر مالي على الميزانية والقوائم المالية والحسابات الختامية الخاصة بالجهة. أما النوع الآخر، فهو: الرقابة الإدارية المعنية بتقييم أداء الموظفين والأنشطة الإدارية في المؤسسات الحكومية والخاصة، وتشملُ عمليات تحديد الأخطاء والتقصيرات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها، وهي تساعد على تحسين الأداء، وضمان الامتثال للقوانين واللوائح والحفاظ على النزاهة والشفافية في المؤسسات.

بدأت مسيرة الرقابة في سلطنة عمان بعدة مراحل؛ بدءا من فجر النهضة المباركة، وصولا للمرحلة التي صدر فيها المرسوم السلطاني رقم 6/2021 بإصدار النظام الأساسي للدولة، وتمَّ النص بموجب المادة 66 منه على أنه "ينشأ جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يتبع السلطان. يختص بالمتابعة المالية والإدارية لوحدات الجهاز الإداري للدولة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة؛ وذلك على النحو الذي يبيًنه القانون، وعلى الجهاز إرسال نسخة إلى كلٍّ من مجلس الوزراء ومجلس الدولة ومجلس الشورى".

ولا شك أنَّ اهتمام الحكومة بتفعيل جهاز الرقابة والمالية والإدارية في الدولة يُعطي انطباعا كاملا عن مكانتها الواسعة في أن تكون العين الرقيبة على المخالفات المالية والإدارية ورصدها بشفافية ومهنية، مما يؤدي بدوره لتحقيق الحوكمة والرقابة والتقييم لبلوغ سمو الأهداف الوطنية في تنمية البلاد.

وفي ظل تعيين الهيكل الإداري الحالي الذي يقوم بإدارة هذا الجهاز، فقد شهد الكثير من الإنجازات التي تُسجل في تاريخه؛ وذلك من خلال اتباع القيم والمبادئ المهنية المتعارف عليها، كالاستقلالية والنزاهة والشفافية، والموضوعات الحيادية، والكفاءة والفاعلية، والشراكة مع الأطراف ذات العلاقة، ونتيجة لذلك فقد تمكَّن جهاز الرقابة المالية والإدارية في خطة الفحص السنوي للعام 2022، كما ورد في موقعه الإلكتروني الرسمي، بتنفيذ إجمالي عدد 181 مهمة صَدَر عنها 147 تقريرًا رقابيًّا تضمنت نسبة الملاحظات 1591. كما وَرَد في تقريره السنوي للعام ذاته، أنَّه قام باسترداد مبالغ بقيمة 97.8 مليون ريال عماني لصالح الخزانة العامة؛ مما يعطي انطباعًا جيدًا على مدى حرص هذا الجهاز على الحفاظ على المال العام، وأيضا وعي المجتمع العماني بمسؤوليته الوطنية نحو بلده؛ من خلال التبليغ عن أي انحرافات أو أخطاء قد تحدث أثناء تنفيذ أي مشاريع عامة مرتبطة بالمال العام، وهذا واجبٌ وطنيٌّ وأخلاقيٌّ ودينيٌّ لا يجوز التفريط فيه لا من قريب أو بعيد، فـ"الساكت عن الحق شيطان أخرس"، بل قد يكون شريكا مباشرا أو غير مباشر في ارتكاب الخطأ، والجهاز فاتح أبوابه لكل مواطن يرغب في الإبلاغ عن أخطاء ارتُكِبت في المال العام، ولديه منصات ومنافذ للبلاغات عبر موقعه الإلكتروني تقوم باستقبال أي بلاغ على مدار الساعة.

لقد أشار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- في أول خطاباته خلال توليه سُدة الحكم في البلاد إلى: "إننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل، وإعلاء قيمة ومبادئ وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها".

ونذكر هنا أنَّ محافظة ظفار ما زالت تُعاني من مشاريع متعثرة ومتوقفة لأكثر من ثلاثة عقود، وهي مشاريع وطنية وحيوية ومهمة جدًّا ومُؤثرة في تنمية المحافظة، وقد أُنفق عليها مبالغ كبيرة، لكنها إلى الآن ما زالت على وضعها الحالي؛ كمشروع منطقة وسوق الحصن، وشارع الكورنيش المجاور لمنطقة الحصن، ومجمع بلدية ظفار، والسوق المركزي، وسوق الذهب الجديد، ومبنى مُرافق لجامعة التقنية التابع لوزارة التعليم العالي بمنطقة السعادة، ودورات خط السير المُزمع إقامة جسور لتخفيف ازدحام المرور، ثم جاء الاقتراح بإنشاء إشارات ضوئية، إلى أنْ توقفت التوصيات وعادت الدوارات إلى الوضع السابق، مع إضافة بعض الصخور البيضاء على بعضها للزينة، ولا يزال الازدحام المروري مستمرًا، خصوصا في موسم الخريف، كما هي الحال في دوار إتين، ودوار حمرير، ودوار السعادة، كذلك ازدواجية طرق وشوارع المدن في صلالة. كلُّ هذه المشاريع الإستراتيجية تحتاج إلى تدخُّل جهاز الرقابة المالية بشكل مباشر للبحث عن أسباب تعثُّر وتوقُّف هذه المشاريع، وكتابة تقارير عنها، وتحويلها للجهات المختصة لتقييمها وتصحيح مساراتها، وهذا بلا شك سيؤدي لزيادة نسبة التنفيذ وحماية المال العام وصون مكتسبات الوطن، واستقطاب السياح وتخفيف الضغط على المدن والمنشآت الحكومية في ظفار وتشجيع الاستثمار.

تعليق عبر الفيس بوك