مسرحية "بليغ" وكاتب مبدع موهوب

 

 

علي حمد عبدالله المسلمي

aha.1970@hotmail.com

يَقْرَع جرسُ طابور الصباح، يستعدُّ الطلبة لتحية العلم، هناك في إحدى زوايا فصول المدرسة، يَلْمَحُ الأستاذُ أسعد طالبًا يحاول جاهدًا أن يرد شيئًا من الجميل إلى وطنه الغالي، صوتُه لم يبرح شفتيه، فكانت كلمات النشيد تدور في جوفه فقط، أما جسده فينم عن أنَّ كل هذه الكلمات التي تهزُّ كيان ساحة المدرسة قد خرجت جميعها من فمه؛ إلا أن الصدمة حدثت عندما اكتشف المعلم أن هذا الطالب من ذوي الهمم العالية، هنا بدأت أحداث المسرحية.

ضِمْن فعاليات مهرجان المسرح المدرسي التاسع، الذي تُنظمه وزارة التربية والتعليم، على مسرح مدرسة دوحة الأدب الثانوية في مسقط، برعاية مستشارة الوزيرة السيدة سناء البوسعيدية، وبحضور مدير عام المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة الداخلية الأستاذ سيف الجلنداني، والدكتورة مديرة إدارة التربية بسمائل، وبمشاركة من الفنانة القديرة أمينة عبدالرسول، وجمع لفيف من التربويين والمختصين والهواة، قُدِّم عرض لمسرحية "بليغ" ضمن الدورة التقييمية التاسعة للمهرجان المدرسي الطلابي التاسع.

وتبوَّأت المسرحية الصدارة على مستوى السلطنة بحصولها على المركز الأوّل، وقد حصل على أثرها الكاتب القدير مؤلف المسرحية أسعد السيابي على جائزة أفضل نص مسرحي، إضافة لأفضل إضاءة مسرحية، وكذلك حصول المسرحية على أفضل ديكور مسرحي.

تميَّزت المسرحية بأنها انطلقت من واقع ملموس ومحسوس، من بيئة مدرسية واقعية، تلمست احتياجات فئة طلابية موجودة في مدارسنا، تحتاج للعون والمساعدة والرعاية، إذا تم العناية بها فهي لا تقل أهمية عن الطلبة العاديين الأسوياء، تمتلك وتختزن طاقات وإبداعات تربوية، ويحق أن يطلق عليهم "أصحاب الهمم العالية".

فالمسرحية هي تربوية بامتياز؛ حيث تناولت العديد من القضايا التربوية في البيئة المدرسية؛ كالطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة كمحور أساسي فيها وخاصة فئة الإعاقة السمعية، وثقل الحقيبة المدرسية، والأنشطة المدرسة وأهميتها في البيئة المدرسية، والمدرسة كبيئة تربوية جاذبة تُصقِل المواهب الطلابية وتعزِّز قيم المواطنة فيها وحب الوطن، وكل شيء مُسخَّر في المدرسة لخدمة الطالب، واستشعار نعمة الله وفضله علينا في هذا الوطن المعطاء في ظل القيادة الحكيمة الملهمة.

كما تناولتْ قيمة الكتب المدرسية كقيمة علمية وتربوية وأخلاقية؛ فالمحافظة على الكتاب من قبل دارسيه واجب وطني يُحتِّم على طالب العلم عدم تدنيسه بل تكريمه وحفظه ليستشعر الطالب عظمة الكتاب والجهد التأليفي فيه، وما تبذله الحكومة الرشيدة -ممثلة في وزارة التربية والتعليم- من أجل حملة العلم، وأيضا تطرقت إلى أهمية المواد العلمية التي يدرسها الطالب وفائدتها في صقل معارفه ومهاراته ككتاب "قيمي ديني" و"اللغة العربية" و"اللغة الإنجليزية" و"الرياضيات"، والتي لا يمكن أن يستغني عنها الطالب.

وقد قدَّمت المسرحية حلولًا هادفة تسعى من خلالها لمعالجة هذه القضايا؛ حيث لفتت الانتباه إلى فئة الطلبة  ذوي الهمم في المدارس، والتي يجب رعايتها من قبل المختصين والإدارة المدرسية والمعلمين، وتلمس احتياجاتهم وإشراكهم في الأنشطة المدرسية، وتدريب إدارة المدرسة والمعلمين على كيفية رعاية هذه الفئة ومراعاتهم وقبولهم في المجتمع المدرسي، كما قدَّمت حلولا للتخفيف من أعباء الحقيبة المدرسية كدمج الكُتب في كتاب واحد، أو كتب إلكترونيه تم تناولها وعرضها بطريقة مشوقة نالت استحسان الجميع، قدَّمها ثلة من الطلبة والطالبات الموهوبين في المسرح المدرسي من: مدرسة سيح الراسيات للتعليم الأساسي، وصالح بن المتوكل، ومازن بن غضوبة، ومارية القبطية.

ومن هذا المنطلق، نقترح على وزارة التربية والتعليم أن تتبنَّى عرض هذه المسرحية في مختلف محافظات السلطنة؛ نظرا لما تحويه من قيمة تربوية تستحق الإشادة، وكذلك النظر لمرافق المبنى المدرسي وأهمية وجود غرف لممارسة مختلف الأنشطة المدرسية، ووجود مسرح مهيَّأ بكافة الإمكانات، مع وجود مختص مهمته صقل المواهب الطلابية، وكذلك النظر في وجود طلبة التربية الخاصة وتلمُّس احتياجاتهم واحتياجات إدارة المدرسة.

... إنَّ المسرح المدرسي إذا تم توظيفه ليخدم القضايا التربوية في الميدان التربوي لمعالجتها وتعزيز القيم التربوية لتدعيمها، والنظر إلى المدرسة كمدرسة صانعة للمواهب تقوم بدور حيوي في تنمية الابداع كبيئة حاضنة له، وتخريج أفواج من المبدعين والمبتكرين، فالصناعة تبدأ من المدرسة، ويحضرني هنا قول وزير الخارجية الياباني، عندم سَخِر منه وزير الخارجية الألماني بعد الحرب العالمية الثانية: "كيف لليابان أن تنهض؟"، فرد عليه الوزير: "العقل تحت القبعة".

تعليق عبر الفيس بوك