العلم يدلُّك والإيمان يقوِّمك

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

عزيزي القارئ، هل تعلم أن من الأدب مع الله تعالى أن لا يراك حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، وأن تتواضع لعظمته وجلاله، وأن تبادر إلى مرضاته. ومن مظاهر سوء الأدب معه -جل جلاله- أن يفتح بابه أمامك وتوليه ظهرك.

لا يختلف مُؤمنان على أنَّ الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاهَا وتمنَّى على الله الأماني، وأن الإيمان ما وَقَر في القلب وصدقه العمل، ومخطئ من يقول عكس ذلك. فالدُّنيا برُمتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فما بالنا نُقِيمُ لها وزنًا وثقلًا، ونجعلها المُهْلِكَة لنا.

وفي مقالي هذا، أود أن أعرِّج على أمرٍ ما، وهو أنه لو نملك أنا وانت أعلى شهادات الدنيا ولكن ليس لدينا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله بحقِّها وحقيقتها ومقتضاها ومضامينها، فأنا وأنت -والعياذ بالله- في نار جهنم خالدين فيها أبدا.

فالرُّكون إلى الدنيا، وتأخير التوبة، والانغماس في الذنوب والمعاصي، وعدم السعي لطلب الصلاح والاستقامة على أمر الله تعالى، يعتبر نهجًا باطلًا وفشلًا ذريعًا وخطأً كبيرًا، وظلمًا وإجحافًا لأنفسنا وغيرنا؛ فأيُّ عمل صالح نقوم به لا يُقبل منا أبدا ما دمنا غير أتقياء؛ فالله يتقبل من المتقين فقط، وتحصيل التقوى أمر بالغ الأهمية، إذ إنَّها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، فيا تُرى هل استعددنا فعلا للرحيل الأبدي عن هذه الدنيا.

من المُسلَّم به أنَّ الإنسان الجاهل قد يفتخر بشهادته العلمية وعلمه، وقد تجد إنسانًا ما لديه أعلى شهادات الدنيا، لكنه عاصٍ: مذنب، ملحد، كافر ومشرك بالله، ومُفلس من معرفته به سبحانه وتعالى، وهذه تجارة خاسرة وفعل قبيح؛ فالذي بِتْنَا نعلمه أنَّ العلم يدلُّك على الأشياء فقط أيًّا ما كانت، وقد تسألني: كيف ذلك؟ وسأجيبك بأنَّ الطببب عندما أصبح طبيبا فإن علمه بمجال الطب فادَه ليكون طبيبًا، والمهندس علمه بمجال الهندسه جعله ليكون مهندسًا، وقِسْ على ذلك كلَّ من لديه شهادة علمية في أي مجال كان. فقد تجد جرَّاحًا ماهرًا وبروفيسور حاذقا شاطرا إلى آخر القائمة، لكنه مُلحد أو عاصٍ أو مُشْرِك، والسبب خواؤه من الإيمان، الإيمان بالله وملائكته ورسله وبالقَدَر خيره وشره. لهذا؛ فإنَّ الذي لديه علم بدون إيمان لن يستيقم له أمر؛ ما يعني أن العلم لم يكسبه الإيمان ولم يقوِّمه، فتتأكد لنا هذه المقولة بأنَّ العلم يدلك فقط، والإيمان يقوِّمك ويُقِيمك على أمر الله والاعتراف به والتعرُّف عليه. فالذي لم يُوفق إلى معرفة الله تعالى حق المعرفة، فهو بلا شك في انتكاسة وخسران كبيرين، ومن أسباب انتكاسة الإنسان فساد قلبه، ونبينا الكريم يقول: "إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

ففساد القلب وقسوته وظلمته وموته، يأتي من الابتعاد عن الصلاة ومجالسة الصحبة السيئة التي تجر إلى النار والعياذ بالله، وإلى كل ما هو سيئ من قول وفعل، وكذا الأمر مع عدم فعل الخيرات، والجلوس في مجالس السوء والغيبة والنميمة والغناء واللهو والفساد وإضاعة الوقت في القيل والقال، لهذا يجب تركها كليًّا. فهذه المجالس مجالس شر، فانتقِ أخي الكريم من تُتابع وتجالس، فعليك بأهل الصلاح وأصحاب الخير وأهل الذكر، واصبر نفسك معهم وفي مجالسهم مجالس الذكر والإيمان إلى أن يعمر قلبك بالإيمان وتستقم. فالإنسان يتأثر بمن حوله، فاحرص على تلك المجالس ومن يُذكِّرك بالله، فهي تحفها الملائكة وتنزل عليها الرحمة والسكينة ويذكرهم الله فيمن عنده، فاختر صحبك ومجالسك بعناية. ولا تنسَ أنَّ أفضل صديق لنا هو القرآن، فاصْحبهُ واقرأه وتعلَّمه، فسيأتي شفيعًا لصاحبه يوم القيامة.

كلمة أخيرة أود التذكير بها؛ وهي أنَّ كثيرًا من الناس اليوم أصبح استعداده ليوم الرحيل بالغفلة والعصيان، وقسوة القلب، وهذه مصيبة كبرى أجارنا الله تعالى منها.. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

تعليق عبر الفيس بوك