مدرين المكتومية
ذات صباح استيقظ أحدهم على اتصالات متتالية لا تتوقف، وعندما رد على المحادثة التي يبدو أنها كانت مستعجلة جدًا، تفاجأ بأن المُتصل من الجانب الآخر هو أحد موظفي الادعاء العام، يفيده بأن أحد الأشخاص تقدم بشكوى ضده، على خلفية نشره لصورة التقطها في أحد المجمعات التجارية، ويبدو أن الشاكي يظهر في هذه الصورة، ثم نشرها على حسابه عبر منصات التواصل الاجتماعي!!
فوجئ المشكو بحقه بهذا الأمر؛ كونه لم يقصد أن يُصوِّر شخصًا بعينه؛ بل إنه كان يتلقط صورة تذكارية لصديق عزيز عليه، لكن تشاء الأقدار أن يظهر شخص آخر ضمن الجمهور العام في هذه اللقطة العفوية، دون أن يقصد المصوِّر ذلك مطلقًا.
من المؤسف أن هذا الأمر يتكرر باستمرار؛ لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يدركون أن هناك ما يسمى بالأماكن العامة وأخرى خاصة، ومثل هذه الصور واللقطات أُخذت في مكان عام، أي أنها لم تُلتقط في مكان خاص أو في حرمات خاصة بأحد الأشخاص، وبالتالي الأمر لا يستحق الشكوى، ولا يُمكن أن يندرج ذلك تحت بند انتهاك خصوصية الأفراد.
وفي الواقع، إن مثل هذه المواقف والتي يبدو أن البعض قد يمارسها بدعوى الشهرة أو الحصول على تعويضات أو حتى بدافع من الجهل بفكرة الأماكن العامة، لذا علينا أن نتحلى بمزيد من الانفتاح والثقافة على ما يحدث حولنا؛ فالعالم يتغير كل ثانية وهناك الكثير من الأدوات التي يُطلعنا عليها الواقع الذي نعيشه. ويتوازى مع هذا المفهوم، وتلك القصة التي سردتُها في البداية كدلالة رمزية لما أودُ الحديث عنه، مع ضرورة أن نعي الكثير مما يُمكن أن نُطلق عليه "مفاهيم إعلامية"، لأنها أيضًا تدور حول عالمنا المُتغيِّر، والذي نتأثر به ويؤثر فينا. ويجب على الآخر أن يكون على دراية بالتفريق بين الخبر والرأي، فكلاهما مختلف عن الآخر!
لقد بتنا نعيش بين أمواج متلاطمة من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي لا حصر لها، في عالم متغير يحتاج من مؤسساتنا المعنية كذلك أن تكون قوانينا وأنظمتنا وطريقة تطبيقها مرنة وقادرة دائمًا على استيعاب المتغيرات ومواكبتها، وألّا يكون التنفيذ المُتشدد للقوانين سيفًا مُسلطًا على الرقاب، ورحم الله السلطان الراحل خالد الذكر قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- عندما قال "الرحمة فوق القانون"، وقد كان يقصد بذلك التطبيق المرن للقوانين.
على أفراد المجتمع التحلي بثقافة إعلامية واعية ومتفهمة للواقع الذي نعيشه، خاصة وأن "المواطن الصحفي" أصبح في كل مكان، فهناك الكثير من الأحداث لا توثقها وسائل الإعلام، لكنها تنقلها عن مواطن عادي كان يمر في أحد الشوارع وشاهد موقفًا ما أو ربما جريمة أو حادثة، والتقطها بكاميرا هاتفه النقّال، فأصبح هذا المواطن هو الصحفي الذي كان يجوب الشوارع والمؤسسات في السابق للحصول على الأخبار التي تهم المجتمع وينشرها في صحيفته أو مجلته، من أجل تبصير المجتمع بما يجري من حوله. ولا يجب علينا تقييد مثل هذه الأمور، إلّا في حالات انتهاك الحرمات الخاصة، وهذه حددها القانون دون حاجة لتفسيرها على عدة أوجه، أو في الحالات التي يُعاقب عليها القانون مثل تصوير المنشآت الأمنية والعسكرية، أو مما يتنافى مع العرف المجتمعي، مثل تصوير المرضى أو الفقراء، وهكذا...
وأخيرًا.. هناك العديد من التحديات التي يجب أن ننتبه إليها من أجل تحسين الممارسات الإعلامية في المجتمع، خاصة في ظل الحاجة الماسة لوجود إعلام مهني مُتخصص يعي ما يحيط بالمجتمع من تحديات، وقادر على تقديم ما يأمله كل مواطن من وسائل الإعلام باختلاف أنواعها.