ثورة العقول.. الأقوى والأبقى

 

 

حمد بن سالم العلوي

عرَّت عملية "طوفان الأقصى" المباركة، المُنافقين ممن يُسمُّون أنفسهم عَرَبًا ومُسلمين، وأظهرتهم على حقيقتهم الفجَّة، ومن كَرم الله على المجاهدين في غزة، أن خَذَلَ المنافقين من المتصهينين العرب؛ وذلك كي لا يكون لهم نصيب من النصر حتى ولو معنويًّا، وأن يكون النصر لِمَن آمنوا بالله واليوم الآخر، ومَن أعدُّوا العُدة للجهاد والنصر بإذنه تعالى.

وقد جَعَل الله الحمية الحقيقية في شعوب العالم، خاصة شعوب أوروبا وأمريكا؛ حيث معقل اليهود ومرتكز ساحاتهم القوية، وصدق الله العظيم إذ يقول لرسوله الكريم: "وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ  إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال:62-63)؛ فهؤلاء الخلق هم خلق الله؛ فألَّف الله بين قلوبهم لكي يثوروا على ظلم اليهود في فلسطين، وأن يواظبوا على التظاهر والاحتجاج على مدى أشهر، وكان من المتوقع أن يقفوا إلى جانب الكيان الصهيوني، هذا الكيان الذي تعرَّض لأكبر هزيمة في تاريخه صبيحة يوم 7 أكتوبر 2023، وعلى يد مجموعة قليلة من رجال المقاومة الفلسطينينة، وبأسلحة بسيطة ومحدودة الإمكانيات.

والذي يُنغِّص على الكيان الصهيوني وداعموه أنْ ليست الشعوب الغربية وحدها من يقوم بالتظاهر والاحتجاج اليوم، وإنما النُّخبة المثقفة من أساتذة الجامعات والطلبة الجامعيين. إذن؛ فإن الثائرين على الظلم ليسوا عامة الناس، نتيجة لطفرة عاطفية سرعان ما تثور وتنطفئ بنفس السرعة، وإنما هم الجامعيون والأكاديميون وهم الطلبة والأساتذة؛ أي نخبة المجتمعات من أهل الثقافة والمعرفة والعلم، وقد أصبحت المواجهة اليوم بين أصحاب العقول والفكر والرأي، واليهود أصحاب المكر والخبث؛ وذلك رغم أن اليهود ظلوا يعملون لجعل الشعوب الغربية عرصات خليهم وحصنهم المتين، وأن من بين أولئك المحتجين هم أبناء الجاليات اليهودية، فتسمعهم يرددون شعارات ضد الظلم والإبادة الجماعية، ومطالبين بالحرية للشعب الفلسطيني.

إنَّ مشهد تدخل الحرس الوطني الأمريكي، وهم يقتحمون حرم الجامعات الأمريكية في طول البلاد وعرضها، ويقمعُون المعتصمين بقسوة مبالغ فيها، ويمرِّغون ليس أنوفَ الطلبة، وإنما أنوف الأساتذة أنفسهم، وكأنهم حفنة من عتاة المجرمين، فأي إذلال بعدما يمرغ بأستاذ أو أستاذة كبيرة في السن في التراب وتجده يبحث عن نظارته الطبية فلا يجدها، وتُصفَّد أياديهم وراء ظهورهم؟!!!

كلُّ ذلك يحدث إرضاءً لنتنياهو رئيس عصابة الصهاينة المتطرفين في فلسطين المحتلة، وأية قناعة ستورث هذه التصرفات، عندما يرى المواطن الأمريكي نفسه مقهورًا بظلم اليهود الصهاينة، وأنه أمام غطرسة اليهود في فلسطين المحتلة لا يساوي شيئًا، وذلك بعدما خُدع ولأزمان طويلة، بأنه يعيش في كنف حرية الديمقراطية الأمريكية الفارهة؟!! فإذا كان هذا المواطن يُعبِّر عن رأيه بالاعتصام، فيُنكَّل به أمام شاشات التلفزة، وبقسوة لا نظير لها في التاريخ الحديث، إلَّا فيما سُمِّي بدول العالم الثالث، وكلُّ ذلك إكرامًا لليهود المعتدين على الحقوق الفلسطينينة، والذين يُمعِنُون في الإبادة الجماعية للبشر في فلسطين، فماذا ظل من حقوق للمواطن الأمريكي ليتفاخر بها؟! وذلك بعد الذي لحق به من ذل ومهانة، أمام أناس هو يدفع لهم الأموال للاستقواء على شعب فلسطين كي لا يُلقى به في البحر كما كان يُصوَّر له ذلك كذبًا وتزويرًا.

إنَّ "طوفان الأقصى"، الذي يُمثل البداية لتحرير فلسطين من رجس اليهود المحتلين، قد تجاوز هذا المنظور كي لا يقف عند هذا الحد، وإنما سيتجاوز الأمر لكي يُحرِّر الشعوب الغربية من السطوة اليهودية على فكرهم ومقدرات قوتهم وحرية قراراتهم، فلم يعد ذلك الزعم القائل إن اليهود المحتلين لأرض فلسطين، يُمثلون النخبة النقية في هذا الكون، وهي الفئة المعرضة للخطر الوجودي، بسبب تفرُّدها بالديمقراطية في المنطقة كما يزعمون، والتخلُّف الاجتماعي المزمن في الشرق الأوسط، فقد شاهد العالم بأمِّ عينه، أن البربرية والعنصرية المقيتة هي يهودية النشأة والمنبت، وهي العدوانية ضد الإنسانية كلها، والتي تمثل سلوكيات الصهاينة الفطرية في فلسطين المحتلة، وأنهم يتَّصفون بهذا الصلف والغطرسة المقيتة دون سواهم من شعوب هذا الكون قاطبة.

إذن.. نستطيع القول إنَّ الشعوب اليوم وبفضل وسائل الاتصال الحديثة السريعة، قد كشفت عن كُنه اليهود وعدوانيتهم الشرسة على ما عداهم من خلق الله في هذا الكون الشاسع، وأن اليهود هم الضد لكل الناس؛ لذلك لن تكون هناك مواقف يشوبها الغموض بين الذي حدث في غزة خاصة وفلسطين عامة، وأنَّ الشعوب الغربية قد تعرَّضت للذل والمهانة، لمجرد مطالبتها برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد اتَّضح جليًّا أن الحكومات الغربية، بدءًا من أمريكا لا تُعْطي بالًا لشعوبها أمام عجرفة وغلو وعنصرية بني صهيون.

لكنَّ الأمر الجيد أنَّ الأنظمة الغربية تصنعها الشعوب بالانتخابات، وأنَّ الذين تعرضوا للسجن والإذلال، هم من سيقررون حكامهم ونوابهم في البرلمانات، ومن اليوم نستطيع أن نُجزم أن الكثير من الحكام ذوي الهوى الصهيوني، سيغادرون مقاعدهم وإلى الأبد، وهذا المنعطف الكبير سيعود وبالًا على العصابة الصهيونية في فلسطين، وسيحقِّق "طوفان الأقصى" أهدافه الإستراتيجية بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر؛ وذلك عندما يقتنع الشعب أمريكا بأن اليهود هم الشر المُطلق وليس غيرهم، وليس شرطًا أن يتوقف الدعم الغربي للصهاينة، وإن كان ذلك مُفيدًا حتى تتحرَّر فلسطين؛ بل يكفي أنْ تقف الحرب اليوم في غزة، لكي تبدأ محاسبة القادة الصهاينة على تقصيرهم في السابع من أكتوبر الماضي، ومن ثمَّ تبدأ الهجرة العكسية إلى خارج فلسطين؛ وذلك نتيجة اليأس من العيش بأمان في أرض الميعاد.

فلا نقول إلَّا صبرًا أهل غزة العِزَّة.. إنَّ النصر آتٍ مهما بلغت التضحيات، وأنَّ "طوفان الأقصى" هو بداية النهاية للصهاينة، وأنْ لا أحد سيموت بغير تقدير من الله، وهم مكرمون بالشهادة والحياة الأبدية، ومن يجرؤ ويصبر ينتصر.. وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.