أثر التنويع الاقتصادي في تنمية المحافظات

 

 

وليد بن أحمد المحروقي

في خطوة تعدُّ الأبرز من نوعها في المنطقة العربية، تَسْعَى سلطنة عُمان لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة عبر اعتماد إستراتيجية متكاملة للتنويع الاقتصادي وتنمية المحافظات، والتي تُعتبر أحد الجوانب الأساسية لرؤية "عُمان 2040"، لتحقيق نقلة نوعية تعزِّز مكانتها كوجهة استثمارية رائدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

وبفضل التوجيهات السامية والإصلاحات الاقتصادية والمبادرات والبرامج التي اتَّخذتها الحكومة في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- شهدَ الاقتصادُ الوطنيُّ مرحلةَ تعافٍ جيدة، مع استمرار انخفاض الدين العام، مدعومًا بارتفاع الإيرادات النفطية؛ حيث تم استكمال العمل على تحسين بيئة الأعمال وتوفير مصادر تمويل ذات نسب فائدة تنافسية لمختلف المشاريع، والعمل على جلب الاستثمار الأجنبي عن طريق تكامل الاستثمارات بين جهاز الاستثمار العُماني وتنمية المشاريع المحلية، واستكمال تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي وخطط تنمية المحافظات، وإعطائها صلاحيات أكثر، وتنمية القيادات الاقتصادية، خاصةً في المستويات المتوسطة والعليا، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرقابية، وأيضًا استثمار الفائض في الموازنة لصالح مشاريع اقتصادية قادرة على التصدير وإيجاد فرص توظيف للباحثين عن عمل.

ويحرص جلالة السلطان -حفظه الله- على متابعة الأوضاع المحلية والدولية؛ حيث أكد جلالته العزم على استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي واستقرار الاستدامة المالية للدولة، وجعل تحقيق التوازن المالي في أعلى سلم الأولويات للحكومة باعتباره أحد أهم ممكنات رؤية "عُمان 2040"، مشيرا جلالته إلى أنَّ التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها السلطنة -كغيرها من الدول- تقتضي اتخاذ مجموعة إجراءات لتحسين الأوضاع المالية والاقتصادية؛ ومن بينها: مبادرات خطة التوازن المالي متوسطةً المدى (2020-2024)؛ بهدف تحسين التصنيف الائتماني للسلطنة وصولًا لمستويات آمنة وبيئة جاذبة للاستثمار، إلى جانب تنشيط وتنويع مصادر الإيرادات ودعم النمو الاقتصادي وتوجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل، مؤكدا جلالته -أبقاه الله- على أنَّ ما تتضمنه الخطة من مبادرات وبرامج ينبغي ألا يؤثر على المواطنين من ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، وذلك من خلال إرساء وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، مشيرا إلى أهمية تسهيل الإجراءات وتشجيع الاستثمار وضرورة النهوض بالقطاع الخاص وتنمية قطاع السياحة والقطاعات المولدة لفرص العمل للمواطنين.

برنامج الاستدامة المالية

ويُشكِّل برنامج الاستدامة المالية خطوةً مهمةً لضمان استقرار المالية العامة على المدى الطويل، وعليه تعدُّ تجربة سلطنة عُمان في خفض الدين العام نموذجًا يُحتذى من قبل الدول الأخرى التي تواجه تحديات مشابهةً، هذا وقد واجهت السلطنة مجموعة تحديات مالية كبيرة؛ مما دفعها لاتخاذ خطوات إصلاحية جريئة لمعالجة هذه التحديات، ولعلَّ أهم هذه التحديات أن تحقق الحكومة فائضا ماليا فيما يتعلق بالميزانية العامة للسلطنة.

وأكدتْ وزارة المالية -في بيان لها- أنها تعمل على استثمار الفوائض المالية الناتجة عن أسعار بيع النفط في تحقيق عدة أهداف؛ بما في ذلك تخفيض العجز المالي، وتقليل كلفة ومخاطر الدين العام، في إطار الميزانية العامة للدولة للعام 2022؛ حيث تم تخصيص مبلغ لسداد فوائد القروض والتزامات أخرى، وتمت الموافقة على سداد متوسط محفظة الدين 1.3 مليار ريال عُماني المستحقة لهذا العام بمبلغ حوالي 2.7 مليار ريال عُماني، وأشارت الوزارة إلى أنها تعمل على استخدام بعض الفوائض المالية لتعزيز النمو الاقتصادي وفقا للتوجيهات السامية.

برنامج تنمية المحافظات

عندما نتحدَّث عن سلطنة عُمان، فلا يُمكننا إغفال الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة لتحقيق التنمية الشاملة في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا السياق، يأتي برنامج تنمية المحافظات كركيزة أساسية في تحقيق رؤية "عُمان 2040"، والتي تهدف لتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل والخدمات الأساسية في جميع المناطق؛ وذلك لأن البرنامج يهدف للاستفادة من الإمكانات والموارد الفريدة لكل محافظة في السلطنة، وتعزيز دورها في التنمية الوطنية. وبغض النظر عن تباين جاهزية المحافظات وتنوعها الجغرافي والاقتصادي، تعمل الحكومة على توفير الدعم اللازم لتطوير البنية الأساسية وتعزيز الاستثمار في قطاعات متنوعة؛ مثل: السياحة، والصناعات التحويلية، والزراعة؛ حيث نلاحظ يوميًّا في الصحف أو منصات التواصل الاجتماعي مناقصات تُطرَح في كل القطاعات الحيوية؛ مثل: البُنى الأساسية واللوجستية والزراعة والسياحة والإستراتيجية العمرانية والصناعات التحويلية.

وبذلك؛ تحظى التنمية الاقتصادية للمحافظات بأهمية كبيرة في تحقيق التوازن الإقليمي والحد من التركيز الاقتصادي في المناطق الحضرية الرئيسية. ومن هنا، يتمُّ توجيه الاهتمام لتحسين البنية الأساسية وتوفير الخدمات الأساسية؛ مثل: الصحة والتعليم والنقل في المحافظات. كما تشجع الحكومة المواطنين على المساهمة في دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتعزيز ريادة الأعمال في المحافظات، بتوجية الشباب نحو الذكاء الأصطناعي وفتح مصانع صغيرة بحجمها وكبيرة بمواردها؛ وعلى سبيل المثال: فتح مصانع صغيرة لأكسسوارات الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية التى تعتمد عليها الدولة في منظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكما تعلمون فإنَّ بنك التنمية- البنك الحكومي الذي يمول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر- يُساعد في تنمية الاقتصاد العُماني، ومن ثمَّ توفير فرص العمل للباحثين عنها في جميع المجالات؛ مثل: الإدارة، والهندسة، والصناعة، والسياحة، والتعليم، والصحة...وغيرها من المجالات ؛ لتعزيز النشاط الاقتصادي بالمحافظات.

كما تعمل الحكومة أيضا على استثمار المقومات الطبيعية الفريدة التي تتمتع بها المحافظات. ومن خلال تعزيز الزراعة والصناعات الحرفية والسياحة البيئية، يُمكن تعزيز الاقتصاد المحلي وتعزيز فرص الاستثمار في المحافظات، وتجدر الإشارة إلى أنَّ برنامج تنمية المحافظات يحظى بدعم حكومي مستمر؛ حيث توفر الحكومة الموارد المالية والفنية والبشرية اللازمة لتنفيذ المشاريع التنموية في المحافظات. ومن خلال تعاون بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص يتم تحقيق تنمية مستدامة وفعالة في المحافظات.

وتثمِّن الحكومة أهمية الشراكات المحلية والدولية في تنفيذ برنامج تنمية المحافظات، وتعمل على تعزيز التعاون بين الجهات المختلفة، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المحافظات.

وبهذا؛ يتَّضح الدعم الحكومي المستمر للمحافظات بسلطنة عُمان، والذي يعتبر عاملًا حافزًا لتنميتها وتحقيق النمو الاقتصادي على الصعيد العام، وعلى الرغم من اختلاف مقومات كل محافظة وتنوع مواردها إلا أنَّ الحكومة سعت لتوفير البنية الأساسية المناسبة لكل منطقة والإمكانيات اللازمة لتنمية اقتصادها، ولكن هذا لا يلغي الدور الفعال الذي يجب أن يقوم به المواطنون في تعزيز اقتصاد المحافظات من خلال تطوير المؤسسات الصغيرة والكبيرة ومحاولة الاستفادة من المقومات الطبيعية المتاحة لكل محافظة؛ بهدف توسيع قاعدة الاقتصاد المحلي؛ وذلك لأن تحقيق رؤية "عُمان 2040" يتطلب التضافر والمشاركة من الجميع، وهذا ما أكد عليه أيضا حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- في خطاباته بأن نجاح رؤية "عُمان 2040" يتطلب مشاركةً من جميع أبناء الوطن مع الأجهزة الحكومية للسعي نحو تحقيق أهداف الرؤية.

لا يفوتنا أن نوجِّه امتنانا العميق للجهود المبذولة لتعريف المواطنين بالبرامج المختلفة التي تسهم في تحقيق تغيُّر جذري بداخل المجتمع العُماني؛ سواء من خلال عقد لقاءات وجلسات وندوات تستضيف الخبراء في مجال الاقتصاد، وبالتعاون مع وزارة الإعلام التي تبذل جهودًا مستمرةً في التواصل والتفاعل مع كل ما يتعلق بالبرامج التي تستهدف تحقيق رؤية "عُمان 2040"؛ مما يبني جسورًا من الثقة والشفافية بين المواطنين والحكومة.

وفي الختام نرفع توصية للحكومة الرشيدة، بتعيين مستشار أو خبير اقتصادي في كل مكتب محافظ  لتعزيز الإستراتجية الإقتصادية والتنويع الاقتصادي داخل المحافظات، واستثمار المقومات الطبيعية التى تتميز بها كل محافظة.

تعليق عبر الفيس بوك