صلالة.. ومشروع سوق الذهب الجديد

 

 

عمير العشيت **

alashity4849@gmail.com

 

يُعد الذهب أحد أهم المُقتنيات المُحبَّبة للإنسان، فهو من أندر المعادن وأغلاها على مستوى العالم، وعلامة فارقة بين الأغنياء والفقراء.. ولقد حرصت دول العالم على الاستعانة بعنصر الذهب كونه الملاذ الوحيد لحماية مخزونها النقدي، وتلجأ إليه وقت الحاجة او لتغطية عجزها المالي؛ كونه يتمتع بمكانة خاصة عن كثير من العملات والسلع الأخرى نتيجة الطلب عليه، ويمكن بيعه في أي زمان ومكان؛ وبالتالي أصبحت أسواق الذهب واجهة اقتصادية للمؤسسات التجارية والأفراد على حدٍّ سواء، وتنتشر في كافة المدن الحضارية المزدحمة بالسكان، وأكثر من يرتادها الزوار والسياح. والشاهد من القول أنَّ أسواق الذهب تلعب دورًا مباشرًا في الحركة التجارية والبورصات العالمية، واستخدامه كمؤشر لتقلبات الأسواق المالية وتثبيت القيمة النقدية، ويحافظ على قيمته الشرائية في مواجهة تدهور قيمة العملات الورقية.

لذا؛ فلا عجب عندما نشاهد انتشار أسواق الذهب في كافة المدن الرئيسية في السلطنة؛ حيث من المعروف أنَّ المجتمع العماني مُحِبٌّ لشراء الذهب والاحتفاظ به، وبيعه ورهنه أثناء الحاجة. وفي ولاية صلالة، يوجد سوق للذهب تأسَّس في ستينيات القرن الماضي وسط المدينة، والسوق مكوَّن من حارات ضيقة تكفي لمسار مركبة واحدة، ويفتقر الموقع لمواقف السيارات، ولمرور سيارات الإسعاف والحريق، كما أنَّ السوق محاط بأحياء سكنية قديمة تسكنها عمالة وافدة وأغلبهم من العمالة السائبة الذين يُفضِّلون هذه المساكن حتى يكونوا بعيدين عن أنظار رجال الشرطة ولجان التنفيش. والغريب أن هذا السوق لا يوجد فيه أي موظف أو عامل عُماني؛ فأين دور لجان تفتيش العمال في هذا الجانب؟!

فالسوق في وضعه الحالي لا يرقى إلى المواصفات المطلوبة لأسواق الذهب، نظرا للتطوُّر العمراني الذي طرَأ على ولاية صلالة، وكونها قلعة سياحية وتحتضنُ ثاني أكبر الجاليات من العمالة الوافدة في السلطنة.

ولحلِّ مُعضلة هذا السوق القديم، فقد قامت الجهات المعنية قبل ثلاث سنوات تقريبا بإنشاء سوق بديل للذهب غرب مدينة صلالة، في مساحة شبه مفتوحة جهة الغرب، من الممكن استثمارها لمواقف السيارات بدلا من استراحة نافورة المياه المتوقفة ولم تلقَ أيَّ إقبال جماهيري منذ إقامتها، والمساحة غير شاغرة، وفكرة المشروع الجديد ستفتح آفاقًا واسعة؛ منها: وظائف شاغرة للباحثين عن عمل وأيضا للأسر المنتجة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أنه يحمل مؤشرات وبوادر اقتصادية جيدة على إنعاش الأنشطة التجارية في الولاية.

إلا أنَّ المشروع تعثَّر فجأة لأكثر من سنة، مع أنه وصل لمرحلة الانتهاء من هيكله الخارجي تقريبا، وصُرِفَت عليه مبالغ طائلة. وهكذا حال بعض المشاريع الضخمة في هذه الولاية كمشروع منطقة وسوق الحصن القريب من الشاطئ، والذي اكتفى بإنشاء عِدَّة مبانٍ تعجُّ بـ"الكوفي شوبات" والمقاهي، ويفتقر لمعارض المنتجات والصناعات الحرفية المحلية. وبجانب هذه المباني، يقبع سوق الحصن التاريخي العريق كالطفل اليتيم ينتظر من يعيله، وأيضًا مجمع بلدية ظفار المطل على مركز المدينة، والذي ظلَّ على هيكله الخارجي لأكثر من ثلاث سنوات، وكذلك مقاعد موقف حافلات الأجرة... وغيرها من المشاريع، ألا توجد مساءلة ومحاسبة عن تأخُّر وتعثُّر هذه المشاريع الحيوية وفق ما جاء مع النهج السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في إعلاء مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة وإشراك المجتمع في المساهمة الفاعلة في تعزيز منظومة الرقابة؟! كذلك لِمَ لا تفرض الشروط الجزائية على المقاولين إذا كانوا هم المتسببين في تعثر هذه المشاريع الحيوية، كما نصت المادة (630) من قانون المعاملات المدنية العماني: "يجب على المقاول إنجاز العمل وفقا لشروط العقد وفي المدة المتفق عليها"؟ كذلك أين دور جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة -الذي يُشيد له الجميع بالجهود والإنجازات الكبيرة التي حقَّقها في محاربته لجرائم الفساد والرشاوى والتزوير، واسترجاع ملايين الريالات والأراضي والمال العام لخزينة الدولة، ومحاسبة المقصرين في شأن المخالفات المالية؟ أين دوره من هذه المشاريع الوطنية والحيوية ومساءلة الجهات المسؤولة عن تأخيرها، وهذه من اختصاصاته الرئيسية وفق ما جاء في المادة (31) من قانون جهاز الرقابة المالية والإدارية، البند رقم (2) والتي تنصُّ على أنه "كل تصرف يترتب عليه صرف حق أو ضياع حق من الحقوق المالية في الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز، أو إلحاق ضرر بها، أو تأخر في إنجاز المشروعات الإنمائية، أو من شأنه أن يؤدي إلى ذلك"؟

إنَّ تعثُّر مثل هذه المشاريع من شأنه أن يؤدي لإهدار مزيدٍ من المال العام، ويضرُّ بالمصلحة العامة بلا أدنى شك.

** كاتب وباحث

تعليق عبر الفيس بوك