التضامن الطّلابيّ العالمي من أجل غزّة

 

محمد بن سالم التوبي

 

إذا كنّا تحدثنا في المقال السابق عن التشظي الأمريكي بسبب غزّه فإنَّ ما يحدث الآن في أكثر من 25 جامعة تعد من أكبر الجامعات الأمريكية لهو نوع آخر من حالات التشظي في المجتمع الأمريكي التي أحدثتها الحرب على غزة والذي لم يحدث سابقًا في الولايات المتحدة الأمريكية إلا ما ندر، فالآلاف من الطلاّب يفترشون الأرض في الجامعات وعلى أسوارها من أجل وقف الإبادة في غزة، وهي وسيلة ضغط طلاّبية على حكومة البيت الأبيض للتدخل من أجل وقف الحرب وعدم إمداد إسرائيل بالعتاد الحربي لقتل الفلسطينيين.

إنّ ما يقوم به هؤلاء الطلاّب لهو فخرٌ للأحرار في كل العالم، فقد حوصرت الجامعات وأكبر الجامعات مثل جامعة كولومبيا التي قادت هذه الحركة بخيام الطلاّب؛ مما أدّى إلى تدخل الشرطة لمنعهم من ذلك؛ مما دفع بهم إلى الاشتباك مع الطلبة لوقف ما يقومون به من تحريض نحو المزيد من التصعيد، الأمر الذي أدّى إلى نزول الكوادر التدريسية لمساندة الطلاّب والوقوف معهم حتى يتحقق الأمر لهم، ولعمري هي من أنجح الطرق في التصدي لمساندة إسرائيل في حرب إبادتها لأهل غزّة.

ومن المفارقات العجيبة أن يكون للطلاب اليهود دور كبير في قيادة المظاهرات والوقوف إلى صف الطلاب المناهضين لتوجهات حكومتهم التي تقود الحرب مع الإسرائيليين - وهذا لم يصبح مخفيًا عليهم - وأنهم يلعبون دورًا كبيرًا في قيادة الحرب وتمزيق فلسطين، وهذا ما يجعل منهم دولة قادرة على السيطرة على الدول المحيطة والمنتجة للنفط، وفي عرف الحكومة الأمريكية وجود إسرائيل مُهم من أجل السيطرة على

الدول الأخرى وتوجيهها لتكون تحت يدها وحسب ما تُريد، وهو ما تم تسميته بالاستعمار الحديث.

ها هي الاستجابات تتوالى من قبل هذه الجامعات تارة بفضّ الشراكة مع الجامعات الإسرائيلية، وتارة أخرى بإلغاء العقود مع إسرائيل أو برامج التعاون العلمي أو الفني مع الشركات الإسرائيلية أو الحكومة الإسرائيلية، وهذه بشائر خير سوف تؤتي ثمارها ولو بعد حين. إنّ هؤلاء الطلاّب في بعض الجامعات يمثلون خيرة طلاّب الولايات المتّحدة الأمريكية كما هم في جامعة ييل وجامعة كولومبيا وجامعة هارفارد وأكثر الجامعات الأمريكية، وفي بعضها نخبة من الطلاب المتميزين الذين يتوقع لهم أن يكونوا مؤثرين في صناعة القرار في أمريكا أو الدول الأخرى فبعض الجامعات مخصّصة للمتفوقين من شتى أنحاء العالم.

لا شك أنَّ التظاهرات والاعتصامات التي يقوم بها الطلاّب والأساتذة في هذه الجامعات ما كانت لتقوم لولا اعتقادهم الجازم بأن الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة مع الغاصب الصهيوني على حساب المبادئ الإنسانية وعلى حساب المبادئ الديموقراطية التي آمنوا بها وجعلوها طريقًا وحلاًّ للكثير من المشكلات التي واجهتها البشرية في القرون الماضية من استعباد واستعمار وعنصرية وفساد وغيرها من المشكلات التي واجهت العالم، واليوم يجدون أن حكومات بلادهم تسير وفق منهجية تدمّر ما قامت عليه الدولة، أو على الأقل ما ادّعوا أنها قامت عليه من حرية ومبادئ وحقوق وواجبات تضمن الحق البشري في الحياة والعيش بكرامة.

الانعكاسات من جراء تدخل الشرطة في الجامعات الأمريكية له مردود سلبي على الصورة النمطية التي عرفت بها الجامعات في أمريكا من حرية في الرأي، لكن التدخل السافر الذي تتعامل به الشرطة الأمريكية مع الطلاب في كثير من الجامعات سوف يعقد الأمر ولا ريب أن هذه الاشتباكات لن تجلب وراءها سوى المزيد من الحنق على الحكومة الأمريكية، وما تقوم به عنف تجاه هولاء الطلاب والأكاديميين والعاملين في الجامعات وهذا سوف يعمق الهوة بين الحكومة والطلاب وغيرهم من المواطنين الأمريكيين الذين ينتصرون لغزة.

ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية مُرشّح بشكل كبير أن يحدث في الجامعات الأوروبية وتحديدًا في بريطانيا أو على الأقل في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، ومن ثم في الدول الأخرى؛ ممّا سيُشكّل ضغطًا كبيرًا على إسرائيل- ليس في الوقت الآني فحسب وإنما في المستقبل أيضًا- وهذا لا شك سوف يجعلها كياناً منبوذاً أو على الأقل كياناً يشار إليه بالبنان ككيان غاصب للأرض ومبيد للبشر وقاتل للأطفال والنساء ومتخلٍّ عن الإنسانية ومبادئها.

تعليق عبر الفيس بوك