جامعات أمريكا.. وتحريك الضمير الساكن

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

هناك، حيث خيَّمت السردية الصهيونية المتباكية، نصبت خيام الضمير الإنساني الحي، وقد أدلى طلاب جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، والأوروبية بدلوهم، في شأن سردية الكذب التي سُمِّيَت مؤخرًا بـ"صفقة القرن"؛ وهي في الحقيقة "صفعة القرن" على جبين الضمير الإنساني.

حقَّر طلاب الجامعات المتظاهرون أفعال اليهود الصهاينة، خصوصًا ما يتعلق بقضية فلسطين، ثم حذروا من الإبادة الجماعية التي ترتكب في حق الفلسطينيين. وأدركوا أنه وعلى الرغم من مضي قرن على صدور رواية الكذب، وتراكم أدرانها في الضمير العالمي، إلّا أنها لم تعلق في ضمير الأحرار من الشعوب، لما لليهود من تاريخ مع الكذب وتغيير الحقائق، لدرجة أن تلك الصفة أصبحت علامة أساسية في مسيرة أجيالهم المتعاقبة، وصِفتهم تلك، فعل تحقره كل الثقافات والحضارات، وتنبذه كل الأعراف الاجتماعية والإنسانية.

جلست كثيرًا مع نفسي، أفكر في أنه وعلى الرغم من عدم براعتنا في اكتشاف الكذب، إلّا أن ثمّة وسيلة ما تساعدنا في اكتشاف آلاعيب الصهاينة الذين يعيشون بيننا، وحاولت أن أستجمع افكاري، وأُخرج كل ما في قلبي، عن وضع وصلت له الإنسانية يصعب أن يستوعبه ذهني، وأخيرًا استطعت أن أُلملم كلماتي وألامس عبرها إنسانية أولئك المتظاهرين في حرم الجامعات المختلفة،  مكاشفة ضمائر الغرب كله، فقد يكون الضمير الإنساني في الولايات المتحدة وأوروبا مُستترًا خلف لوحة إنسانية أو شيطانية، ترتسم معالمه عبر ملامح الحراك الطلابي في الجامعات وسلوكه، يكون هنا دور كلماتي في كيفية تعامل الأنظمة الغربية دعية الديمقراطية، والمتبنية لسردية الكذب والنفاق، مع الحراك الذي تركزت مطالبه في حرية فلسطين ونصرة الشعب الفلسطيني.

عند تحليلي لهذه التظاهرات الطلابية في جامعات أمريكا وبريطانيا، وأوروبا، بكل ما تحمله من جوانب سلبية أو إيجابية، يمكنني القول إننا نبدأ بمرحلة أكثر تقدمًا في نوع مضمون المطالب، المراد منها تحريك ذاك الضمير الساكن خلف لوحة سوداوية المظهر والمضمون، إلى لوحةٍ أكثر إشراقًا ووضوحًا للمظلومية الفلسطينية.

ككل صباح منذ 7 أكتوبر 2023، أفتح عينايّ على جريمة الإبادة الوحشية التي تُمارس في حق الشعب الفلسطيني، من قِبل الكيان الصهيوني، ومن خلفه كل الصهاينة. لكن في يومٍ حدث عكس ذلك؛ أي استيقظت والمظاهرات موجودة في باحات الجامعات الامريكية والاوروبية، ينتابني أمل وضيق، أشعر بالزهو والاحباط، لفهمي أن الحياة بأكملها فرصة، وحراك طلبة جامعات مرموقة، في الولايات المتحدة الأمريكية لا شك يأتي بفرصة، ويعد في توقيته فرصة، كما أن ضمير طلاب هذه الجامعات فرصة، ويجب أن لا نضيعه.

إذن.. رأيتُ في حراك الجامعات ضميرًا يُرشد الضمائر الحُرّة لبر النجاة والأمان، نحن أصحاب الحق والقضية، علينا أن لا نعطيه فرصة للتوقف، فنحن والضمير الحر فرصة للغد، فعمر القضية لحظة من الزمن، وعنصر البقاء ذكرى حسنة، لا تموت والضمير الحي ينبض بذكرى الحرية والحقيقة والصدق.

نعم.. حراك طلاب الجامعات، صورة حتمية لسطوع سردية الحق المسلوب، وتطهر للضمير الإنساني من أدران سردية الاغتصاب والكذب، التي اتسعت بقعة قذارتها لأكثر من قرن، الحراك الطلابي في جامعات الغرب هذا جميلٌ جدا، ومهم في عالم محكوم بقبضة من حديد وبارود، ومفروض على قاطنيه أن يعيشوا في الظلام وأوحال الكذب، وتبني أفكار ونظريات عبدت الذهب والأموال، ليتسلّل بصيص النور والحقيقة، من خلال رسالة من باحات أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية، تكشف عن صحوة ضمير، إزاء عالم رهيب، صنعه الاستبداد وفساد المستفيدين من أكذوبة اصطنعتها الصهيونية على أوسع نطاق، فراح ضحيتها الملايين في منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي.

يغمر اليوم فلسطين حياة الضلال المخملية التي يعيشها الكيان الصهيوني الغاصب، فيحملها بعيدًا، من حياة هادئة إلى مغامرة لاكتشاف هذا الواقع المظلم في كل أرضها التاريخية، لكن، بدا الضمير الحر، في اكتشاف سبب شيوع سلوك الخداع في اليهود وبين الصهاينة، بدأ الصراع في ضمير الإنسانية؛ حيث لم تكن فطرة الإنسان لتقبل أبدًا ما اقتُرِف ويُقترف بحق الإنسانية في غزة وأرض فلسطين كلها، تغلبت على الضمير العالمي الشيطنة الصهيونية على مدار مئة عام.

لقد جاء حراك طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية، ليقول إنها كذبة صهيونية انطلت وترسخت في المجتمعات الغربية وعند القيادات المتصهينة، وانكشف زيف السردية الصهيونية، ووضع الأنظمة الغربية في موقف يُشبه "كذبة المئة عام"؛ ليتعهد كل المتظاهرين في الجامعات، بعد انكشاف كذبة القرن الكبرى بعدم التعامل مع الكيان الصهيوني مرة أخرى، أيًّا كانت الأسباب التي يطرحها ساسة الولايات المتحدة، وكذلك أوروبا، وكل الأنظمة المُتصهْيِنة.

تعليق عبر الفيس بوك