النهج العُماني الأصيل

 

حاتم الطائي

 

جلالة السلطان يقود المسار الحضاري العُماني نحو المجد والسؤدد

الزيارة السامية إلى الإمارات تُرسِّخ نهج السلام وحسن الجوار

حُسن الجوار سلوك حضاري يحقق المقاصد المنشودة والمشتركة للشعبين الشقيقين

 

لعُماننا الحبيبة نهجٌ أصيلٌ راسخٌ يمتد عبر مئات السنين، يستمد قوته من هيبة سلاطينه الكرام، وتتعمق فلسفته برؤى وحكمة قادته الميامين، وتتجذر مكانته في نفوس العُمانيين حقبة وراء حقبة، وزمنًا بعد زمن.. لأنَّ عُمان دولة العراقة والتاريخ، وأرض العزة والشموخ، وسلاطينها كالنجوم في سماء الكون، يُضيئون بعطائهم دروب التنمية والازدهار، وما شهدته عُمان على مرِّ تاريخها المُشرِّف، خير دليل على مكانتها السامقة بين الأمم.

ومنذ أن انطلقت المسيرة الظافرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله بتوفيق من عنده- وعُمان تُواصل المسار الحضاري الذي دشنه الأجداد، وبالتحديد في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، مؤسس النهضة العُمانية الحديثة، لتنطلق نهضة عُمان المُتجددة، تأسيسًا على ما ترسخ من نهج أصيل وُضعت قواعده على مدى عقود ممتدة، شهدت تحولات عديدة في مختلف القطاعات التنموية والخدمية، وكذلك على مستوى السياسة الخارجية والدبلوماسية. وما عزَّزَ من ذلك النهج، الالتزام الراسخ بالرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، وما تتضمنه من محاور ومرتكزات ومُستهدفات، تدفع بالمسار الحضاري العُماني نحو مزيد من التقدم والازدهار.

وقد ارتكز النهج العُماني في مسارات النهضة المُتجددة، على تعظيم عدد من الجوانب وتفعيلها، من أجل ضمان تحقيق أفضل النتائج، على المستويات كافةً. وهُنا نستطيع أن نُقسِّم هذا النهج إلى قسمين؛ الأول: شأن داخلي يعتمد في المقام الأول والأخير على تنمية الوطن وتحقيق المعيشة الكريمة للمواطن. والثاني: شأن خارجي، يستهدف توظيف علاقات عُمان مع جميع دول العالم لخدمة الأهداف الوطنية، وتعزيز إسهامات عُمان في معالجة مختلف القضايا المحورية، خاصة المرتبطة بالشأن الإقليمي.

ويهمني في هذا السياق، أن أُعرِّج على الشأن الخارجي، في ضوء الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة السلطان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة؛ حيث أُقيمت مراسم استقبال مهيبة، على المستويين الرسمي والشعبي، وشهدت الزيارة عقد مباحثات قمة بين جلالة السلطان المفدى، وسُّمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، تركّزت حول ترسيخ الشراكة الاستراتيجية القائمة في العديد من المجالات، لعل أبرزها الجانب التجاري والاستثماري، وهو ما تجّلى في مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي شهدتها الزيارة، ومن بينها واحد من أهم المشاريع التنموية في تاريخ علاقة البلدين الجارين، وهو مشروع السكك الحديدية بين أبوظبي وصحار، والذي من المؤمل أن يُسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية واستدامتها، بفضل ما يُتيحه المشروع من فرص واعدة في قطاعات مختلفة، وعلى رأسها القطاع اللوجستي، وهو واحد من القطاعات الواعدة في رؤية "عُمان 2040"، وتسعى بلادنا من خلاله لتعظيم الإيرادات العامة، من خلال فتح المجال أمام المزيد من الاستثمارات، وتعزيز مكانة عُمان كمركز لوجستي إقليمي، علاوة على زيادة إسهامات القطاع في نمو الناتج المحلي، ودعم الصادرات العُمانية، وسهولة وصولها إلى أسواق أخرى.

الزيارة السامية إلى الإمارات، أكدت كذلك على حرص سلطنة عُمان وقيادتها الحكيمة على نهج السلام وحسن الجوار، وأنَّ العلاقات مع مُحيطنا وجوارنا ترتكز على القيم العُمانية الأصيلة، ومشاعر الأُلفة والمودة والتراحم، وأن تظل صامدة في وجه التحديات والظروف التي قد تواجهنا في أي وقت. وهذا النهج العُماني الراسخ، يرسم مسارات العلاقات الخارجية لعُمان، ويمثل أنموذجًا لما ينبغي أن تكون عليه علاقات الدول.

وإذا ما أمعنا النظر في الكلمة السامية التي ألقاها جلالته خلال مباحثاته مع سمو الرئيس الإماراتي في أبوظبي، تتكشف لنا العديد من النقاط الجوهرية المضيئة في النهج العُماني الأصيل، أولها تأكيد المقام السامي على أن "ما يربط عُمان ودولة الإمارات من أواصر حسن الجوار والتاريخ المشترك ليدعو إلى الارتياح والرضا لعمق الوشائج ومتانة التعاضد بين أبناء الشعبين الشقيقين"، وهذا يُؤكد أن عُمان والإمارات وبما يمتلكانه من تاريخ مشترك وتعاضد بين الشعبين الشقيقين، ماضيتان في مسارهما نحو مزيد من الشراكة والتكامل في العديد من المجالات.

وثمّة نقطة أخرى بالغة الأهمية في كلمة جلالة السُّلطان، عندما أكد- أعزه الله- على أن "حُسن الجيرة بيننا هي من نعم المولى علينا وسلوك حضاري نُشدد عليه، وندعو به كافة الجهات المعنية الرسمية والشعبية في البلدين إلى صونه وإعلائه والعمل عليه، تحقيقًا لمقاصدنا المنشودة والمشتركة"، ولا شك أنَّ هذه الثوابت الوطنية في سياسة عُمان الخارجية، تؤكد الحرص الكامل على متانة هذه العلاقات، وتطويرها باعتبار ذلك "سلوك حضاري" شدد عليه جلالته، ووجه- أيده الله- الجميع إلى "صونه وإعلائه والعمل عليه" من أجل أن تتحقق المقاصد المنشودة والمشتركة. والتأكيد على أن "حُسن الجيرة" يُمثل سلوكًا حضاريًا، يُبرهن مدى سُّمو وأصالة النهج العُماني الراسخ، فعُمان دائمًا وأبدًا تُحافظ على علاقاتها مع الجميع، فما بالنا بدول الجوار، وقد شاركونا التاريخ والمصير أيضًا.

وهذه الرؤى السامية الحكيمة هي التي تُشكِّل السياسات الوطنية المرتكزة على الثوابت والقيم العُمانية الأصيلة، وتحافظ على استقرارنا وتطورنا، وتدفع بمسيرة نهضتنا نحو آفاق من التميُّز والازدهار. ودلالة ذلك تأكيدات جلالته على أنَّ هذه الزيارة مثلت "فرصة تاريخية للاحتفاء بمسيرة العلاقات الطيبة" بين عُمان والإمارات، كما إنها "أسست لانطلاق مرحلة جديدة لمستقبلها الواعد بمزيد من النماء والازدهار"، وستُسهم كذلك في بلورة "رؤية مشتركة" أكد عنها جلالة السلطان أن كلا البلدين سيعملان على صياغتها خلال المرحلة المقبلة، بما يحقق تطلعات وآمال الشعبين الشقيقين.

ويبقى القول.. إنَّ النهج العُماني الأصيل الذي ترسّخ خلال الحقب والأزمنة الماضية، يمثل شعاع النور الذي يقودنا نحو مستقبل أكثر ازدهارًا ورخاءً، وما يزيد من قوة وصلابة هذا النهج، الرؤى السامية الحكيمة لجلالة عاهل البلاد المُفدّى الذي يقود نهضتنا المُتجددة، ويمضي خلفه شعبنا العُماني رافعًا رايات الولاء والعرفان، مؤكدًا العهد على مواصلة الطريق نحو عُمان التقدُّم والرُقي والنماء.

الأكثر قراءة