مساعٍ حثيثة تُترجِم تميُّز العلاقات

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

عُرفت عُمان منذ الأزمان الغابرة على أنها أرض الأئمة والعلماء والمفكرين والأدباء والتسامح والتصالح والهدوء والاتزان والعقلانية والحكمة، وإذا ما بحثت في التاريخ، فإنه سينبئك بذلك، وسيغنيك عن البحث والتحري والدقة وجلب المعلومات عن غيره، وسلاطين عُمان وأئمتها السابقون، كانوا يتميزون بالعلم والمعرفة والفهم ورجاحة العقل وحب الاطلاع والنبوغ في مجالات وعلوم مختلفة وكثيرة، والعمل من أجل الأمة والإنسانية؛ فبرزوا واستبسلوا في الدفاع عن مقدرات الدولة، وجنحوا إلى الرضا والقناعة، وإحقاق الحق وبسط العدل وإغاثة الملهوف ونجدة المظلوم، فعُمان منذ قرون عديدة تربطها علاقات وثيقة متميزة مع العالم أجمع، ولا ننسى أنه في عام 1840 أبحر أحمد بن النعُمان الكعبي مبعوث السلطان إلى نيويورك، وأصبح أول دبلوماسي عربي معتمد لدى الولايات المتحدة الأمريكية.

وتأتي الزيارة التاريخية التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أمس، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ترجمةً لكل المعاني الإنسانية والأهداف السامية النبيلة، التي تنشدها السلطنة مع أشقائها دول الجوار في مجلس التعاون الخليجي وغيرها، مُنطلقةً من وصايا ديننا الإسلامي الحنيف التي تنادي بضرورة حسن الجوار وأهمية التعامل مع الجار والأخ المسلم، وتوطيد العلاقات بينهما ومعهما، ونشر السلام والتسامح بينهم وبين شعوب الأرض كافة، بما فيهم مختلف الطوائف والملل.

وقد بحث جلالة السلطان المعظم- أيده الله- مع أخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من خلال زيارته إلى أبوظبي، كل ما من شأنه الارتقاء بأوجه التعاون القائمة بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات. وإذا قلنا إنَّ عُمان منذ القدم عُرفت بأثرها وثقلها السياسي في المنطقة، ودورها المحوري الهام في حل الأزمات والخلافات بين الأصدقاء، وفض نقاط الاختلاف نظرًا لما تحظى به من تقدير واحترام العالم لها، ولما تتمتع به من قدرات متميزة ونهج متفرد وسياسة حكيمة في التعامل مع كافة الأحداث والمواقف ومجمل القضايا العالقة.

إننا نجدها- بحمدالله- تتوفق دائمًا في التدخل لإنهاء المشاكل والأزمات وحل الصراعات والنزاعات بين الأطراف المتخاصمة، من خلال أطر كثيرة وسياسات متعددة وطرق مختلفة، منها تقريب وجهات النظر ودرء الفتن ولم الشمل ونبذ التفرقة ورأب الصدع والحياد في مُجمل الأمور والوسطية والاعتدال، متى ما طلب منها ذلك، مُنطلقةً من مكانتها التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإرثها الخالد وإنجازاتها الشاهدة وعمق تاريخها الإسلامي الحافل بالبطولات والانتصارات والأمجاد، موظفة ما يتمتع به أهلها من نفاذ بصيرة وقوة وشجاعة، إذا ما تطلب الأمر ذلك. ناهيك عن أن الحبيب الصطفى صلى الله عليه وسلم، قال عن عُمان وأهلها، لو أن أهل عُمان أتيت لما سبوك وما ضربوك، ما يعني تمتعهم منذ الأزل، بالحكمة ورجاحة العقل والفهم والعلم والمعرفة والتواضع والطيبة والأخلاق والكرم، وتميز أهلها في مختلف المجالات والميادين.

وقد رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة قيادةً وشعبًا وحكومة والتي تتألف من سبع إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة، وعجمان وأم القيوين والفجيرة، تتمتع كل إمارة منهن بميزاتها الفريدة، وتجمعها عوامل مشتركة كالدين والثقافة والتاريخ، والعادات والتقاليد والاقتصاد؛ مما جعلها تتكامل في ظل اتحاد أثبت قدرته على النجاح، وتحقيق تحولات حضارية، ومنجزات عملاقة محليًا ودوليًا، رحبت بالمقدم الميمون السامي لجلالة السلطان المعظم، وبالزيارة الكريمة الميمونة التي قام بها على رأس وفد رسمي رفيع المستوى.

وقد تناولت الزيارة مناقشة عدد من المواضيع المهمة التي تخدم البلدين، وتعزز من مستوى الشراكة ومتانة العلاقات الأخوية بينهما، ودوامها على نحو يحقق العيش الكريم للبلدين الكريمين واستقرار شعبيهما الشقيقين. ما يؤمن دوام القوة والأخوة ومجالات التعاون السياسية والاقتصادية والاستثماريّة والاجتماعية والأمنية حاضرا ومستقبلا، لا سيما وأن العامل المشترك القائم بين الدولتين، يمضي حثيثًا في مسار قويم ونهج حميد راسخ، يسمو بما يخدم البلدين في كافة المجالات. وبما يحافظ على حسن الجيرة والنسيج الاجتماعي المتداخل، والدفع بذلك الى مستويات وآفاق أرحب متقدمة، وإلى حدود أرفع وأسمى تتنامى مع الأيام ما يجعل هذا التداخل بين المجتمعين، ماضياً في توحد وحب ووئام وتقدير واحترام.

وقد أعرب جلالة السلطان هيثم عن سروره البالغ للزيارة التي قام بها لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، ولقائه بأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، كما أعرب الشيخ محمد بن زايد عن سعادته بهذه الزيارة، وقال إنه على ثقة بأن "هذا الترابط والتلاحم الاجتماعي، يمثل مرتكزات أساسية لمواصلة بناء علاقات نموذجية، تخدم مصالح البلدين وتحقق تطلعات الشعبين الشقيقين إلى التقدم والازدهار".

هذا ما خلصت إليه هذه الزيارة الكريمة التي نرتجي من ورائها الشيء الكثير؛ بما يخدم الشعبين الشقيقين وكل شعوب مجلس التعاون الخليجي. ولا يسعنا المقام إلّا أن نقول حفظ الله سلطنة عُمان ودولة الإمارات وكافة دول الجوار الأشقاء وشعوبها من كل سوء وشر ومكروه، وأدام علينا نعمة الأمن والأمان والستر والعافية، ومن تقدم إلى تقدم بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك