حمد بن سالم العلوي
المطر الغزير الذي انهمر على البلاد ليلة 16 أبريل الجاري، ليس له مثيل في مئات السنين القريبة الماضية، فكبار السن الذين سألناهم قالوا إنهم لا يتذكرون جرفات حدثت مثل هذه الجرفة، التي لم تبق في طريقها شيئًا على حاله، وكذلك يقولون إنَّ آباءهم وأجدادهم لم يحدثوهم عن أنواء مناخية بهذه الغزارة والقوة من الأودية والسيول في حياتهم التي عاشوها، ولا يشبه منخفض المطير هذا إلّا إعصار "شاهين" الذي ضرب بعض ولايات الباطنة والظاهرة، في شهر أكتوبر عام 2021، ولكن ليس بمثل هذا الطوفان الكبير، والذي شمل معظم محافظات السلطنة عدا الوسطى وظفار.
وكما ينبئنا التأريخ عن بعض الحالات المناخية القاسية، فقد ظلت عُمان عرضة للأنواء المناخية الشديدة، والأعاصير والأمطار الغزيرة، وذلك عبر تاريخها القديم، وإن كان ذلك لم يؤرخ بشكل رسمي في الأزمنة البعيدة، فقد بدأ المؤرخون بذكر جرفة وادي كلبوه في نزوى، وذلك عام 192 هجرية الموافق 806 ميلادية، وقد تسببت تلك الجرفة في غرق الإمام الوارث بن كعب الخروصي، إمام عُمان في ذلك الزمان، فغرق في وادي كلبوه الجارف، وهو يُحاول إنقاذ المساجين وإبعادهم عن مجرى الوادي. وفي جانب آخر ذكر الشيخ العلامة نور الدين السالمي حدوث طوفان أو إعصار كبير عام 251 هجرية الموافق 865 ميلادية فأغرق صحار، بعدما كانت مزدهرة بالعمران والأنشطة التجارية، وهجرها أهلها نتيجة انعدام المعيشة وتهدم عمرانها وتعذر العيش فيها، وذلك بسبب الدمار الذي أصابها، فيقول العلامة الشيخ نور الدين السالمي، إن من كان غنيًا ميسرًا صار فقيرًا معوزًا يبحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه، وقد ذكر هذا في كتاب "تحفة الأعيان" الجزء الأول.
وفي عام 513 هجرية الموافق 1119 ميلادية هطلت أمطار غزيرة على عُمان، وخاصة ولاية سمائل، وقد ذكر الشيخ سيف بن حمود البطاشي، أن زوجة عقيد العسكر كانت تغرف الماء من نافذة حصن سمائل، وذلك دلالة على طغيان ماء الفيضان. وهناك حالات كثيرة حصلت بعد ذلك من هذا القبيل، نترك أمر رصدها وتوثيقها للمختصين في هذا الشأن للتاريخ والعبرة.
إذن.. الأنواء المناخية والأعاصير القوية ستظل مرافقة للأجواء المناخية لسلطنة عُمان، وهذا ليس قدرًا لعُمان دون غيرها من سكان الكرة الأرضية، وعلينا أن نتعامل مع هذا القدر الرباني، بما ألهمنا ربنا به من حكمة وصبر، وليس في الأمر تقصير من الحكومة، إن هي لم تستطع التصدي إلى قدر الله، فذلك قدر العزيز الحكيم في خلقه، فنحن كمؤمنين نؤمن بقضاء الله وقدره، ونؤمن أن قدر الله غالب على كل شيء، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب قدر المستطاع، وهناك فرق كبير بين القبول بحكم القضاء والقدر، والحذر والأخذ بالأسباب، وبين الإهمال الخطير وعدم الاحتراز.
لذا أقول للناقدين من المتفيقين للنقد وحسب؛ وغيرهم ممن يسيئون التقدير لجهود الحكومة في التصدي للقضاء والقدر الرباني، لا تنظرون للذي حدث في البلاد خلال طوفان المطير ليلة 16 أبريل الجاري، وما قبل هذا من أنواء مناخية طارئة؛ بل انظروا إلى دول الجوار؛ بل دول العالم كلها من الصين شرقًا إلى أمريكا وأوروبا غربًا، فستجدوهم يخفقون في التصدي للأنواء المناخية، وذلك رغم امكانياتهم الكبيرة، وخبراتهم الطويلة، وأن ما تحدثه الأنواء المناخية ببلدانهم أكثر بكثير مما يحدث في السلطنة من أضرار، وأن بعض الوفيات التي حدثت كان مردها للأخطاء البشرية، وذلك نتيجة المجازفة وسوء التقدير، فرحم الله الغرقى وأسكنهم فسيح جناته.
إن شبكة الطرق الحديثة في السلطنة، تأسست على أعلى معايير عالية الجودة، وذلك بشهادات عالمية، وهي تفي بالغرض منها، ليس إلى اليوم وحسب، وإنما إلى عشرات السنين القادمة، ومع ذلك سيظل الأمر يدعو إلى إصلاح وصيانة الطرق القديمة، لكي تواكب تطور التنمية المضطردة في البلاد.
ولكن سنظل نقول إن هناك أخطاء في التخطيط العمراني، وهذه الأخطاء يمكن تداركها وحلها باستحداث مسارات تجمع فيها مياه الشعاب والمنخفضات، لأن الماء لا يقبل أن يُحبس في مكان معين، إلا بقوة تفوق قوته وثقله، وأن النقد المعقول مقبول بهدف التنبيه.. وليس الذم والتوبيخ، والتشفي من شيء غير موجود، وذلك كما يفعل البعض عندما يفترضون وجود تقصير ما، وهناك من يندس بين الناقدين لأجل التشكيك في نوايا السلطة، وقدرتها على مواجهة الحوادث الطارئة، ولأجل بث بذور الشك وعدم اليقين، بهدف دق اسفين بين المجتمع والحكومة، واخوان الشياطين كثر في هذا الزمان للأسف الشديد.
إن الحكم على الأمور بواقعية، يحتاج إلى موازنة عقلانية، بعيدة عن الفورات العاطفية المتسرعة، حتى نكون منصفين في القرار، وإلا سنضع أنفسنا في خدمة حاسدو هذا الوطن على أمنه واستقراره، وتعايش شعبه وتسامحه وتعاونه، وهو الأمر الذي يغيظ الحاقدين.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبيّ وسلطانها المبجّل.