محمد رامس الرواس
لا يمكن أن يصبح الإنسان عادلًا في أحكامه وآرائه إلّا إذا صلحت نفسه وتجرد من أهوائه وتناول الموضوع الذي يتحدَّث عنه بكل مصداقية وإنسانية وشفافية؛ لأن الإنسان العادل مصدر عدله الرحمة.
هذا النموذج الإنساني الذي سنتحدث عنه في هذا المقال يحمل في ضميره الحي الكثير من معاني الرحمة والإنسانية والعدل.. إنها المحامية والأكاديمية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي قدّمت تقريرها الذي وَضَعت فيه كافة الحقائق والبراهين والأدلة على ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية لسكان قطاع غزة، وهي الجريمة المُستمرة منذ ما يقرب من 200 يوم. لم تخشْ فرانشيسكا تهديدات من الداعمين للكيان الإسرائيلي المحتل لإجبارها على تغيير تقريرها الأممي، حسبما أشارت إليه في مؤتمرها الصحفي بالعاصمة الأردنية عمّان قبل عدة أيام؛ بل واجهت ذلك بشجاعة مُتناهية ولم تخش لومة لائم في قول الحق. ومثل هذه النماذج من البشر من أصحاب القرار الصادق، يأبون الانجراف وراء الرواية الصهيونية التي تُسوِّقها للعالم من خلال أذرعها الإعلامية ومناصريها لتظهر فيها إسرائيل أمام المجتمع الدولي بأنها هي الضحية. ولأن أمثال فرانشيسكا هم أصحاب أصوات وضمائر حرة اتصفت بقول الحقائق ورصدها، وتوثيق التطرف الإسرائيلي بما يقوم به من مشاهد قتل ودمار وتخريب وإرهاب منذ عدة أشهر بقطاع غزة، اتضح فيها للعالم همجية أفعال هذا الكيان ضد الأبرياء العزل، إن مثل هذه التقارير الأممية ترفع وتيرة صوت الحق ونشر الحقائق التي تعمل إسرائيل على طمسها.
وحتى هذه الساعة ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل إعداماته للفلسطينيين العزل أمام مرأى ومسمع من المجتمع الدولي. ومن المفيد هنا أن نستحضر ما وثقه تقرير فرانشيسكا عام 2023 لحادثة قتل 11 فلسطينيًا عُزَّل بحي الرمال أمام عائلاتهم بشكل مروع وبدم بارد، خلال اقتحام قوات الاحتلال للحي، وقد وصفت فرانشيسكا حينها الوضع بأنه "إعدام خارج القانون"، ولقد تكررت كثيرًا مثل هذه المشاهد خلال العدوان الغاشم على غزة؛ منها إخراج جنود الاحتلال لسكان بيت لاهيا من منازلهم تحت تهديد السلاح، وتجريدهم من ملابسهم ليمارسوا فيهم أبشع جرائم القتل المتعمد، وهذا غيض من فيض إنما مثال للدلالة على هول الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الحر الذي أصبح يباد خارج القانون الدولي.
تقرير فرانشيسكا الأخير حمل عنوان "تفصيل الإبادة الجماعية" وأكدت فيه أن هناك أسسًا معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة خلال حملتها العسكرية ضد حركة حماس. وأضافت أن إسرائيل تهدف إلى التدمير المنهجي لجميع سكان غزة أو لجزء كبير منهم وأن القادة والجنود والعسكريين في إسرائيل شوَّهوا عمدًا مبادئ القانون من خلال محاولة ارتكاب أعمال عنف وإبادة جماعية ومجازر يتعرض لها الأطفال قبل الكبار بقطاع غزة وينفذها جنود إسرائيليون بمشاركة من جنود مرتزقة من عدة دول مختلفة، تتهرب فيه إسرائيل من مسؤولية حقيقة ما تقوم به من إبادة جماعية.
ختامًا.. تأتي الإعدامات والاغتيالات ونسف المنازل والتهجير وكل الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن جريمة الإبادة الجماعية وهي جريمة محددة بالقانون الدولي في اتفاقية عام 1948، وفيها بنود مخصصة في حالة تدمير أو تصفية أي مجموعة دينية أو عرقية، أو تدمير مجموعة من الناس. ويشار إلى جريمة الإبادة الجماعية بأنها "جريمة الجرائم" بسبب صعوبة إثبات النية المُبيَّتة إن لم تكن واضحة.. وللحديث بقية.