مصريون في سلطنة عُمان (3)

 

محمد القصبي.. الكاتب الصحفي والروائي

 

محمد السعداوي

شاءت الأقدار أن توافيه المنية قبل نشر مقالي هذا؛ بل وقبل نشر عمله الروائي الأخير عن سلطنة عُمان، ودائمًا نحمل الأقدار تقصيرنا وإخفاقاتنا، فنحن دومًا هكذا، لا نحس ولا تتحرك مشاعرنا إلّا بالفقد، بيننا أحباب وأصدقاء لا نوفيهم قدرهم، وأحيانًا لا نشعر بقيمتهم إلّا بالفقد، عندما يغيبون عن عالمنا، نشعر بهم، وندرك تقصيرنا في حقهم.

لذلك أرجو من كل منَّا ألّا يترك الأيام تمر، وهو يجمد مشاعره داخل صدره، عبِّر عن مشاعرك لمن تحب، فكل منَّا يُغادر في هدوء دون وداعٍ.. "مُتْ فارغًا" من مشاعرك الطيبة وأنثرها على من حولك قبل فوات الأوان!

استحضرت كثيرًا من المشاعر عندما علمت منذ أيام بوفاة الكاتب الصحفي والروائي المُتميز محمد القصبي، ذلك الرجل الذي أقام في سلطنة عمان قرابة العشرين عامًا، ساهم خلالها في نهضة الصحافة العمانية، ورقيها وتطورها، عن طريق نشر مقالات متنوعة، في شتى المجالات الأدبية والثقافية، ومقالات الرأي، وساهم في كثير من الندوات واللقاءات الصحفية والإعلامية.

 بدأ الكاتب الصحفي محمد القصبي مسيرته المهنية عقب تخرجه في الدفعة الأولى من كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1975 بالعمل في جريدة الطلبة بمؤسسة دار التعاون عام 1977، وصدر له العديد من الروايات الأدبية تخطت 16 رواية أشهرها "عرافة السيدة الأولى"، و"ما لم تقله النساء"، فضلا عن رصيد كبير من المقالات في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، أهمها موقع "الأخبار المسائي"، كما شغل منصب سكرتير نادي القصة باتحاد الكتاب لعدة دورات وتولى رئاسة تحرير مجلة نادي القصة.

كما فاز في مطلع شبابه بجائزة أفضل عشرة شباب أدباء على مستوى الجمهورية في مسابقة نظمتها جريدة الأهرام سنة 1988بالإضافة إلى أنه شغل العديد من المناصب الصحفية وكان عضوا فعالا في اتحاد الكتاب وفاز بمنصب سكرتير نادي القصة لعدة دورات متتالية وكان آخر منصب شغله الفقيد هو رئاسة تحرير مجلة نادي القصة.

محمد القصبي من مواليد 24 فبراير 1953 بقرية المعصرة مركز بلقاس محافظة الدقهلية بجمهورية مصر العربية، تخريج كلية الإعلام جامعة القاهرة، وهو عضو في نقابة الصحفيين المصرية، عضو في اتحاد كتاب مصر، وسكرتير عام نادي القصة المصري .. وهو النادي الذي أسسه كبار الأدباء في مطلع خمسينيات القرن الماضي، يوسف السباعي، إحسان عبدالقدوس، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، محمود تيمور، وتعاقب على رئاسته طه حسين، ثروت أباظة، نجيب محفوظ، يوسف الشاروني، ونبيل عبد الحميد وغيرهم......ويعد النادي من أعرق المنتديات الثقافية العربية.

كما شغل القصبي العديد من المناصب الهامة في كثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية في مصر وسلطنة عمان، فقد عمل نائب رئيس تحرير صحيفة الأخبار المسائي، ونائب رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية، ورئيس تحرير مجلة القصة، وخلال عمله بصحيفة الأخبار المسائي شغل أيضًا موقع مساعد رئيس تحرير صحيفة القاهرة لمدة عامين، وشغل موقع مدير تحرير مجلة الأسرة العمانية من عام 1980 وحتى عام 1999، حيث ساهم في نشر كثير من المقالات السياسية والثقافية في صحف الأخبار المسائي – أخبار اليوم – أخبار الأدب – القاهرة – الحوار المتمدن – الوطن العمانية - الوفد - المصري اليوم - الرافد الإماراتية، أشرف على تنظيم وإدارة الندوات بالأخبار المسائي من عام 2005 وحتى عام 2019.

لم يكن محمد القصبي صاحب رؤية نقدية وثقافية فقط؛ بل كان صاحب رؤية إدارية وعملية، فقد كان مِن مَن توقعوا نهاية الصحافة الورقية وزوالها ففي محاضرة ألقاها في كلية مزون بسلطنة عُمان، أعرب القصبي عن اعتقاده بأن رهان البعض على استمرارية النشر الورقي يجانبه الصواب، وأرجع القصبي أسباب ذلك إلى التكاليف الباهظة التي تتكبدها الصحف في الورق والطباعة وأيضًا عجز النشر الورقي في متابعة الحدث وقتياً كما هو حال الصحافة الرقمية، مما يمنح الأخيرة ميزة هائلة تتعلق بأحد أهداف الصحافة، ألا وهي سرعة التغطية والنشر.

وانتقد القصبي إنشاء كليات للصحافة في العالم العربي وقال إنه من الأفضل أن تغذي صناعة الصحافة بشباب من خريجي الكليات المختلفة على أن يتم تأهيلهم صحفيا من خلال دبلوم أو دورة متخصصة في الصحافة لمدة عام مشيرا إلى أن الصحافة تعاني الآن من نقص في المتخصصين في المجالات المختلفة لأن كليات الإعلام لا تدرس مثلا الهندسة أو الصيدلة أو الطب أو الاقتصاد.

وقال القصبي إن من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الصحافة تخصيص أقسام للتصحيح اللغوى ومراجعة المادة صحفيًا، وقال إنَّ وجود هذه الأقسام جعل من المحرر الصحفي مجرد مندوب بريد، يحصل على الخبر ويلقي به في الجريدة ليقوم غيره بإعادة صياغته، وهذا أدى إلى تكاسل الصحفيين في تحسين قدراتهم اللغوية والصحفية. كما نوه القصبي إلى أهمية أن يحظى الصحفي بمرجعية معرفية عميقة، وأيضًا بأخلاقيات عالية تجعله يؤدي عمله لما فيه صالح الوطن وقال: إن انهيار الأخلاقيات عند الصحفي قد يحوله من مندوب لصحيفته في جهة ما إلى مندوب لهذه الجهة في الصحيفة.

وللقصبي عدد كبير من الأعمال الأدبية المتميزة منها رواية "عراف السيدة الأولى" والتي صدرت عام 2001 عن سلسلة الكتاب الفضي بنادي القصة.. وهي أول رواية تخوض في كواليس مؤسسة الرئاسة وتتنبأ بسيطرة رجال الأعمال على الحكم وتحويل الدولة بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت وطأة ضغوط العولمة، إلى شركة مساهمة يديرها مجلس إدارة من رجال الأعمال برئاسة نجل الرئيس، ويصنفها بعض النقاد من ضمن الأعمال الروائية التي تنبأت بثورة 25 يناير 2011، وتم تدريس رواية عراف السيدة الأولى في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة من قبل الناقد الراحل د. صلاح رزق.

وأيضًا رواية "عائلة صابر عبد الصبور" عن اتحاد كتاب مصر عام 2001، وقد فازت بالجائزة الأولى لمسابقة نادي القصة في الرواية المخطوطة عام 1996. ورواية "الخليفة" وفازت بالجائزة الثانية لمسابقة الشارقة للإبداع الروائي عام 1999، وصدرت في نفس العام عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.

واختيرت قصته القصيرة "أحلام الموتى" للنشر ضمن كتاب مختارات من القصص القصيرة في 18 بلدًا عربيًا الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1994، كنموذج للقصة القصيرة المصرية؛ حيث احتوى الكتاب الذي قدم له الناقد الكبير د. الطاهر أحمد مكي نماذج للقصة القصيرة لعدد من كبار كتاب القصة في العالم العربي، مثل الطيب صالح، حنا مينا .. الطاهر وطار، وغيرهم، وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية من خلال الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث كان يدرس لطلابها .

وقد أشرف القصبي على إصدار النسخة العربية من موسوعة الأدب الكازاخي والتي طبعت في إسطنبول عام 2019 ضمن مشروع عالمي لنشر الإبداع الأدبي الكازاخي باللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، وهي اللغات الأكثر شيوعا في العالم، وقد أقيم في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة حفل تدشين للموسوعة حظي بحضور مستشارة رئيس جمهورية كازاخستان والعديد من رموز الثقافة المصرية. كما حظيت الأعمال الأدبية لمحمد القصبي باهتمام النقاد والباحثين، حيث شارك العديد منهم بدراسات نقدية حول تلك الأعمال خلال مناقشتها في نادي القصة والمجلس الأعلى للثقافة ونقابة الصحفيين وغيرها من مراكز الإشعاع الثقافي والإعلامي، ومن هؤلاء النقاد والباحثين، يوسف الشاروني، د.صلاح رزق، د.أماني فؤاد، د.أميمة جادو..... ونشرت العديد من الدراسات والمقالات النقدية حول أعمال الروائي محمد القصبي.

ومن أحدث مؤلفات القصبي وأهمها، عراف السيدة الأولى، آخر، عائلة صابر عبد الصبور، السيدة، مختارات من القصص القصيرة، توأم سيامي، ما لم تقله النساء، رسائلي إلى الأنثى الحلم.

صادق وزامل محمد القصبي الكثير من الكتاب والأدباء العمانيين، طوال عمله في سلطنة عمان، وكانت له مساهمات ومشاركات عديدة ومتنوعة في المنتدى الأدبي وغيرة من المنتديات الثقافية، ونعاه زملاؤه وأصدقاؤه في سلطنة عمان بعد وفاته.

وتوفي محمد القصبي يوم السبت الموافق 23 مارس 2024م بعد إصابته بمرض السرطان، وكانت مشيئة الله - عز وجل- أن لا تستمر معاناته مع المرض طويلا، وكان راضيا بقضاء الله محتسبًا قانعًا، كما كان طوال حياته هادئا سمحًا محبًا للخير، داعيًا الله سبحانه أن يكون خفيفا على أهله وأصحابه عند مفارقتهم كما كان خفيفًا معهم طوال حياته.

تعليق عبر الفيس بوك