من المسؤول عمّا حدث يوم 14 أبريل؟

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

14 أبريل 2024، سيظل تاريخًا محفورًا في الذاكرة، كيف لا وهو يوم المُصاب الجلل لكل عُمان مع فقدان 10 من فلذات أكبادها جراء الأنواء المناخية "منخفض المطير"، هذا غير عدد من المفقودين حتى كتابة هذه السطور نسأل الله أن يلطف بهم.

غالبية أفراد المجتمع وضعت المسؤولية على عاتق وزارة التربية والتعليم؛ كونها من المفترض أن تُصدر قرارًا بتعليق الدراسة ابتداءً من يوم الأحد، وذلك احترازًا من هذه الأنواء، ومنهم من حمّل المسؤولية لسائقي حافلات الطلبة، وآخرون أرجعوا ما حدث للقضاء والقدر.. كلها أسباب ومسببات وإن الأمر مكتوب لدى رب العالمين.

وعلى الرغم من معرفة الجميع أن "منخفض المطير" قادم بعد إجازة عيد الفطر إلّا أن بعض الجهات الحكومية يبدو أنها كانت تقضي إجازاتها بعيدة كل البعد عن المنخفض الجوي وما سيحمله من مفاجآت.

السؤال هنا: أين كانت لجان الطوارئ في الولايات المتضررة؟ ولماذا لم تتحرك قبل حدوث الأنواء لتلافي بعض الأضرار على الأقل؟ على الرغم من تحذيرات الأرصاد من قوة الحالة الجوية، فأين كانت اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة مما حصل؟ كونها المسؤول الأول عن إدارة الحالات الطارئة، وأين قرارات وزارة التربية والتعليم كإجراء احترازي واستباقي، قد يكون منها ما يُنقذ الأرواح ويُقلِّل الأضرار، وكان من المفترض أن يُتخذ قرار تعليق الدراسة منذ مساء السبت وليس بعد حدوث الكارثة!

رأينا بأم أعيننا جثثًا غارقة- نسأل الله لها الرحمة- وسيارات تطفو فوق الماء ومواطنين محاصرين بين الأودية، ومنهم من دفع حياته ثمنًا لذلك، وأطفال يسبحون ويعانون من خوف وهلع للوصول لمنازلهم، ومنهم المحاصرون فوق أسطح المدارس بانتظار من ينتشلهم.

لا أفهم كيفية تفكير مديري المدارس وهم القريبون من البيئة وطبيعة الأودية التي يتعاملون معها، فيفترض في مديري المدارس التحلي بالحزم في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وعدم انتظار القرارات المركزية من وزارة التربية ومسؤوليها، والذين ربما يكون البعض منهم لا يُدرك طبيعة كثير من المناطق القروية والجبلية والتي تتدفق أوديتها بعد وقت قصير من هطول المطر، وتتسبب في قطع أوصال الطرق.

إدارات المدارس تتحمل جزءًا من مسؤولية هذه الكارثة؛ لأنهم أعلم بطبيعة المكان وسرعة جريان الأودية وخطورتها، لكنهم للأسف لم يتخذوا القرار المناسب في الوقت المناسب، منتظرين قرار الوزارة، ربما أنهم كانوا متوجسين وخائفين من الإنذار أو التحذير الذي قد يأتي إليهم من المسؤولين! الأمر الذي يستلزم ضرورة إلغاء مركزية مثل هذه القرارات، وأن يكون القرار مناطًا بمدير كل مدرسة على حدة، وليس حتى على مستوى المديرية التعليمية.

ألم نستفِدْ من الأنواء المناخية السابقة مثل جونو وفيت وشاهين وغيرها؟! لماذا لم نُجهِّز لجاننا وفرقنا ونعد العدة لمثل هكذا أنواء مناخية، خاصة وأن دراسات المناخ والأبحاث المتعلقة به تحدثت وذكرت عن تغير المناخ في العالم أجمع؛ حيث سيشهد مزيدًا من الأعاصير والأنواء المناخية والمنخفضات جراء تغير الطقس، وهو ما يتطلب في الوقت الحالي إعادة النظر في مواصفات الطرق واختيار المسار الآمن لها لتجنب الأودية الكبيرة، والأمر نفسه ينطبق على التخطيط العمراني بمراجعة منح الأراضي بأن لا تكون على مسار الأودية والشراج دون حماية تذكر، وكأننا قد أمنا نوائب الدهر؟

النقطة الأكثر غرابة ودهشة أن هناك مدارس عديدة بُنيت في فوهة الأودية، يعني في فوهة البركان، وصدرت قرارات ببنائها من عدة جهات حكومية، دون الرجوع إلى رأي أهالي المنطقة؛ إذ رغم معارضة كثير من الأهالي فقد شُيِّدت تلك المدارس.. كيف ولماذا؟ الإجابة عند دائرة الإسكان التي منحت قطعة الأرض ورسمتها، وعند البلديات التي منحت إباحات البناء وعند وزارة التربية التي قامت بالبناء والتشييد.

أيضًا يجب أن نتحدث عن ملف الحافلات المدرسية القديم المتجدد، ووعود الوزارة بداية كل فصل دراسي بمعالجة هذه الملف، وأن الأمر قيد الدراسة والاهتمام، لكن ما زلنا حتى اليوم نرى حافلات متهالكة تحمل الطلاب إلى مدارسهم، تحسبهم في حافلات عتيقة الطراز، ووسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ يوميًا بمنظر حافلات مدرسية مُتهالكة مُتعطلة في محافظات مختلفة، ولولا جهود قوات الدفاع المدني وقوات السلطان المسلحة التي أنقذت كثيرا من الأرواح من خلال توفير حافلات عسكرية ومعدات سحب الحافلات المتعطلة من بطون الأودية، لكانت الفاجعة أكبر من ذلك.

الأغرب من كل ذلك أن وزارة التربية والتعليم لم تصدر بيانًا توضحيًا عمّا حصل عبر مواقعها الرسمية، ويبدو أنها اكتفت بحديث المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبر تلفزيون سلطنة عُمان. لكن ما حدث في يوم 14 أبريل يُفترض ألّا يمر مرور الكرام، ويجب أن تكون المحاسبة حاضرة بعد انتهاء الأنواء المناخية، فما حصل دفع ثمنه المواطنون الذين فقدوا أرواحًا بريئة، وعلينا الاستفادة من الأخطاء وتقييم ما حدث، ومُحاسبة كل مُقصِّر، وأن يكون ما حصل درسًا بليغًا يستفيد منه الجميع، لمواجهة أية أنواء مناخية مستقبلًا. نسأل الله السلامة لعُمان وشعبها وأن يكفيها شر الأخطار.