على حافة الحرب العالمية

حاتم الطائي

 

مؤشر اتساع رقعة الحرب الإقليمية آخذٌ في الارتفاع ويُنذر بعواقب وخيمة

تأجيج المشهد ودفع الخصوم إلى حافة الهاوية سياسة تجيدها أمريكا

عدم وقف العدوان الصهيوني الغاشم على غزة سيقود المنطقة لأتون حرب مستعرة

 

تتصاعد الأحداث لحظة تلو الأخرى في منطقتنا، منذ أن شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الغاشم على قطاع غزة، وسقوط ما يزيد عن 33 ألف شهيد وأكثر من 76 ألف مصاب، فيما وثّقت إحصاءات وقوع 3000 مذبحة في القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، وفي خضم أعنف جريمة إبادة جماعية في التاريخ الحديث، اشتعلت المنطقة وفجّرت موجات من ردود الفعل الغاضبة خاصة من جانب "محور المقاومة"، غير أنَّ التصعيد من الجانب المُعتدي- إسرائيل- أخذ منعطفًا خطيرًا بعد الاعتداء المُجرم على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وسقوط قتلى من بينهم مستشارون وقادة عسكريون كبار في الحرس الثوري الإيراني.

وعلى الرغم من أنه وحتى كتابة هذا المقال، لم تكشف إيران عن ردها الانتقامي على هذه الحادثة، إلّا أن مؤشر اتساع رقعة الحرب الإقليمية آخذٌ في الارتفاع ويُنذر بعواقب وخيمة، ليس أقلها انعدام الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، لكن أخطرها يتمثل في جرّ الشرق الأوسط بأكمله إلى أتون حرب لن تُبقي ولن تذر! ويبدو أن ثمة أطرافا تودُ لو أن إيران تنزلق إلى مستنقع الحرب المباشرة، مثلما حدث مع روسيا، عندما تسببت السياسات الغربية الاستفزازية في دفع روسيا إلى الدخول في حرب مع أوكرانيا، وهي في حقيقتها حرب بالوكالة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكتفِ بالحرب المسلحة ومحاولات الاستنزاف العسكري لروسيا، لكنها تعمّدت سرقة ومصادرة استثمارات وأصول روسية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

الوضع في الشرق الأوسط لا يختلف كثيرًا عن أي بؤرة مُلتهبة تُشعلها أمريكا في أنحاء العالم؛ فتأجيج المشهد ودفع الخصوم إلى حافة الهاوية، سياسة تجيدها الولايات المتحدة بامتياز، ومن المؤسف أنها تتكرر دون أن يتعظ أحد، فما يحدث في شرق آسيا أو أفريقيا أو أوروبا الشرقية أو حتى في أمريكا الجنوبية، من إذكاء للصراعات وتسليح المتحاربين، دليل لا يقبل الشك على الدور التخريبي للولايات المتحدة في ظل النظام العالمي الأحادي القطب، الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وما تلتها من حرب باردة، انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي. لذلك لا نملُ أبدًا من التأكيد على أهمية ترسيخ نظام عالمي جديد يعتمد على الأقطاب المتعددة؛ فوجود قوة روسية وصينية إلى جانب القوة الأمريكية، من شأنه أن يُحقق التوازن العالمي المأمول، علاوة على حتمية تقوية التحالفات والمنظمات الإقليمية كي تُشكِّل قوة أخرى ذات وزن وحساب على المستوى الدولي، ولنا في مجموعة "بريكس" و"آسيان" وكذلك مجلس التعاون الخليجي، نموذجًا نبني على أساسه التحالفات الإقليمية والدولية، من أجل مواجهة الصلف الغربي وتآمره على دول العالم، وتحديدًا النامية منها.

وخلال الأيام والساعات الماضية، تابعنا عن كثب ما يُمكن أن نسميه "الاستفزاز" الأمريكي والغربي- بجانب إسرائيل طبعًا- لإيران لدفعها إلى شن عملية عسكرية ضد إسرائيل، قد تكون بداية لحرب إقليمية واسعة نُحذر منها منذ بدء العدوان الصهيوني الهمجي على أهلنا في قطاع غزة. لكن ومن أجل معرفة حقيقة الرد الإيراني وطبيعته، ومدى تأثير ذلك على الاستقرار في الشرق الأوسط، ينبغي أن نقف على جملة من المواقف والتداعيات، بغية الوصول إلى النتيجة الأكثر قابلية للتحقق، في ظل الوعيد الإيراني بالرد لكن دون توضيح لطبيعة الرد.

أولًا: الاستفزاز المباشر لإيران بدأ فعليًا في الأول من أبريل عندما استهدفت غارات جوية مبنى الخدمات القنصلية الإيرانية في دمشق، واغتيال العميد محمد رضا زاهدي القائد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وعلى الرغم من عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها، إلّا أنها بلا شك المتهم الأول في هذه العملية؛ إذ إن إسرائيل تحترف العمليات القذرة ولا تجد حرجًا من تنفيذ عمليات اغتيال مُمنهجة بحق أشخاص يتمتعون بحصانة دولية؛ حيث إنَّ مقتل العميد محمد رضا زاهدي وقع داخل القنصلية الإيرانية بدمشق، التي تُعد بموجب الاتفاقيات والقوانين الدولية مُحصّنة ضد أي هجوم أو عدوان عسكري، حتى في أوقات الحروب. علاوة على أنَّ اغتيال العميد زاهدي لم تكن العملية الأولى التي تنفذها إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة التي نفذت غارة جوية اغتالت خلالها اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس.

ثانيًا: اتهام إيران لإسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية عن هذه الجريمة؛ حيث أعلنت إيران على لسان أكبر مسؤوليها- بمن فيهم علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية- عن عزمها الانتقام من إسرائيل ردًا على اغتيال زاهدي وتفجير القنصلية الإيرانية بدمشق. ولا شك أن هكذا اتهام جاء بناءً على معلومات مؤكدة لدى طهران بمسؤولية إسرائيل عن العملية، لا سيما وأن دولة الاحتلال في الأساس تمثل- وفق السياسية الإيرانية- العدو الأول للجمهورية الإسلامية، وما الدعم الكبير من إيران لحركات المقاومة في أنحاء منطقتنا إلّا ترجمة للسياسات الإيرانية المؤيدة للحق في التخلص من الاستعمار، ولا سيما الاستعمار الإجرامي الذي تنفذه قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. إضافة إلى أنَّ إيران أعلنت بشكل رسمي أنها سلّمت الولايات المتحدة رسالة- عبر السفارة السويسرية طهران- تفيد بأنها سترد على العملية الإسرائيلية، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان خلال زيارته لمسقط وقال نصًا: "بعثنا برسالة شفافة وواضحة إلى البيت الأبيض" ردًا على حادثة القنصلية.

ثالثًا: التسريبات الاستخباراتية المُتعمّدة من جانب الولايات المتحدة والتي تتحدث عن "هجوم إيراني مباشر ووشيك" على إسرائيل، وهي التسريبات التي تناقلتها وسائل الإعلام الأمريكية؛ بل وتنافست في تحديد طبيعة الهجوم؛ حيث ذهبت ترجيحات استخباراتية إلى أن الهجوم سيتضمن شن هجمات عبر 100 طائرة مُسيرة مع إطلاق صواريخ باليستية على أهداف عسكرية، ورجحت توقعات أخرى أن لا يتسبب الرد الانتقامي لإيران في سقوط قتلى، كما زعمت التقديرات الاستخباراتية أن إيران قد تنفذ "عملية رمزية" لتفادي الانجرار لصراع أو حرب إقليمية أوسع. حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث بنفسه أكثر من مرة عن "الرد الإيراني"، الذي قال إنِّه سيحدث "عاجلًا أو آجلًا"، كما أضاف أنه يطلب من إيران عدم شن هجوم على إسرائيل.

هذه التوقعات الاستخباراتية تزامنت مع إعلان إسرائيل حالة التأهب العسكري وزيادة فعّالية منظومة الدفاع الجوي، بجانب تصريحات لمسؤولين أمريكيين يؤكدون فيها تعهد واشنطن بالدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني وتسخير القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لحماية إسرائيل وضمان أمنها. لكن في الوقت نفسه بدت التسريبات الاستخباراتية وتصريحات المسؤولين وكأنها محاولة لتضخيم رد الفعل الإيراني ووضع طهران في موقف مُحرج؛ إذ إنَّ عدم الرد الإيراني بعد كل هذه التصريحات المشتعلة سيؤثر سلبًا على صورة إيران ومدى قدرتها على خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل التي تصفها بأنها "العدو الأول". وفي الوقت نفسه سيمثل أي رد إيراني "غير محسوب العواقب" بداية لأتون حرب مُستعرة لا يعلم أحد مداها.

ويبقى القول إنَّ عدم وقف العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة والمتواصل منذ أكثر من 6 أشهر، سيقود المنطقة حتمًا إلى صراع أوسع وأشمل، وعندها لن تستطيع قوة في العالم أن تتوقع العواقب الوخيمة ولا التداعيات الخطيرة، ولذلك لا بديل عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2728 الذي يُطالب بوقف الحرب في غزة فورًا للوصول إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع. فهل ينجح العالم في تنفيذ القرار الصادر منذ أكثر من 20 يومًا، أم تواصل إسرائيل- بتواطؤ ومسؤولية أمريكية مباشرة- جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل؟!

الأكثر قراءة