عندما تنمو براعم النجاح بين أشواك الظلام

 

 د. عبدالله بن سليمان المفرجي

سرت ذات مساء وشاطئ البحر متدثرا بدثاره كالراقد، أودع قوافل الراحلين همس لي أحد الواقفين على الضفاف هل سوف تراهم على مدى سنين فقلت له بل هم في قلبي ساكنين، كم يسحرني البحر إليه بتلك الزرقة الخلابة التي تسلب الألباب، وذلك الغموض العجيب الذي يخلب القلوب ويستهوي النفوس، ويبهر القلوب.

وكانت السماء ملبدة بالغيوم شدني منظر تصادم الأمواج العاتية بعضها مع بعض، وهي تصارع صخور اليابسة، الصخرة حافظت على صلابتها وخشونتها وعزيمتها، وأظهرت قدرتها على التصدي والصمود أمام لهيب الأمواج الغاضبة، فقد علاء المكان أصوات ارتطام الموج بحواف الصخرة والتي تكاد تنطق بكلمات لا تخطئها أذن أو تغفل عنها.. بدأت أتساءل يا ترى كيف تتشكّل تلك الأمواج العنيفة، ولماذا هذا الصراع؟! وهل تعرفون لماذا يجب علينا أن نكون بعيدين عنها حتى لا تطمس معالمنا، وتلتهم شبابنا، وطاقتنا وتسرق إبداعاتنا، فكل شيء يبدأ صغيرًا ثم يكبر إلا التحديات والمصائب، تبدأ كبيرة ثم تصغر فجاءة، إما من تلقاء ذاتها، أو باستخدامنا لمخزوننا من العلم والمعرفة والحكمة والصبر والتعود، والتجربة والخبرة والخطأ. لقد استيقظ الأمل بداخلي واشتعل بصيص النور من مجرد أن بدأت قطرات المطر تنهمر بغزارة مصحوبة بعواصف برد وأصوات البروق تهز سماء المكان ضياء، وترهب القلوب أبواق الرعود بجلجلتها المروعة، فدوي الرعود يزلزل الأرض وبروق عنيفة تهز سماء المكان وترهب القلوب، من فرقعة حادة إلى دوي منخفض، هربت مسرعا مهرولا إلى جبل يعصمني من الماء أو أوي إلى كهف لعل الله أن يهيئ لي من أمري رشدا، فأحيانًا قد تكون الجمادات أكثر أمانا من البشر، حينها تذكرت أن المطر هو الذي ينميّ الأزهار وليس الرعد، فصواعق الحق تهزم فلول الباطل.

فما أحلى الأرض التي تكون فيها رقعة خضرا. يكسو رؤوسها على مدار السنة، وما ألذّ الوطن الذي تكون فيها كرامتك ومكانتك وقدرك كالتبر والألماس المكدّس المسبوك في الخزائن يسخّر له الأمان والحنان والحماية ويسجر بالأغلال والأقفال.، فيا ليتنا كنّا ذهبا وأحجارا نفيسة، تصان وتحفظ عن قطاع الطرق والقراصنة، وما ألذّ الحياة بوجود أنسان كالطود الشامخ أمام المصاعب والآلام لا تحركه الدواهي والصواعق ولا تحجبه الظلمات، ذاك الجبل الشامخ الذي تتحطم على سفوح...الوجود، بوصفه أجمل عبارات ما ألفت مثلها السطور، يصاب لمصابك ويرتاح لراحتك.

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى // أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي // َلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا

فما أجمل الحياة عندما تهديك إنسان يفهم صمتك قبل حديثك، ويكُونْ لِصمتك حكاية لا ترويها لأحد غيره، فكل شيء بوجود الاصدقاء المخلصين أمثاله يكون مختلفا يكون رائعًا حتى القهوة بقربه رغم مرار مذاقها تصبح كالعسل ما أتعس الحياة لولا الناس الأوفياء المخلصين المثابرين الأوفياء المبدعين المبتكرين، فبعض البشر لها مواقف أصيله لا تنسى أبدًا.

سعادة الحياة أن تمتلك روحا تهديك الفرح، وأمام تلك الأحداث، أجد نفسي متدثرا ً بالذكريات التي تشيع في ّ الدفء اللذيذ، الذي يدب في أوصالي موجة أثر موجة وتأنس روحي حينها طار طيف من داخلي يذكرني بقصة حياة الإنسان عندما سكن الأرض، وبدأ الصراع بين بنى البشر عندما امتدت يد قابيل لتقتل أخاه هابيل، ليسجل التاريخ أول جريمة بشرية، أنا إنسان متفائل بطبيعتي، لكن يجب أن أقول بواقعية  أن الحقيقة المفزعة أن هناك نوع من البشر أشد شراسة من الذئاب المسعورة تخلو قلوبهم من أي قدر من الرحمة يقتلون ويعذبون ويغتصبون ويشربون الدماء... ويطلقون سهام اللؤم في الصدور، ويُطلقون صافرات الاستهجان اعتراضا على نسائم الخير ونفحات الأمل، بل ويرفعون خناجر الغدر... لنشر فيروس اليأس والإحباط في الأرجاء؛ إذ إن "من يقتلك ليس من يطلق عليك رصاصة؛ بل من يقتل أحلامك" كما قال تشي جيفارا.

وقد وقال الإمبراطور الروماني الفيلسوف ماركوس أوريليوس، إنَّ الإحسان "أعظم متعة للبشرية". والغريب في الأمر أنَّ القلوب الطيبة مظلومة دائمًا؛ لأنها أسرع من يفتح الأبواب، ويُقدم المعروف والإحسان، وأول من يتلقى الضربات الموجعة، واللكمات الدامية، في زمن كثر فيه المرجفون والمثبطون والمحبطون من الذين زاغت أبصارهم وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بربهم الظنون، وهم يرون الباطل يصول ويجول ويعربد، بينما الحق ضعيف مطارد وأنصاره يلاحقون ويلاقون أشد صنوف العذاب.

اهتزت الأرض من تحتها، وأصدرت المصابيح الشاحبة صفيرها الغاضب، واحتشد الأسوياء يردون... بعد الظلام سوف يكون للنور وَقعًا مُشرِقًا، فمعاني الأشياء لا تُدرَك إلّا بأضدادها، فما أجملها من لحظات الفرحة والسرور أن تنجز عملا قال عنه الآخرون بأنه مستحيل،...وما أروع أن تلهج لسانك بالشكر والذكر الحسن، لمن كان لهم يد عليك بالتشجيع والتحفيز والمساعدة، والوقوف معك كالبنيان المرصوص والصرح الشامخ، انطلاقا من قوله تعالى: "وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" [لقمان:12]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" [رواه الترمذي].

وفي أشد اللحظات الحرجة يحب أن نقول لأولئك الذين كانوا يرموننا بشهب الإحباط، ووابل سهام النقد لتسفيه أفكارنا الجديدة المبتكرة، وطمس معالمها، وتحنيط عقولنا المبدعة، شكرا لهم، فقد كانت حمم البراكين، والشهب الملتهبة، زادا أمدنا بطاقة فاعلة لعبور الجسور المؤصدة ولولاهم ما اجتازنا المسار بأمان، وتخطينا الصعاب والمهن، وتجاوزنا الألم، وعقمنا الجروح النازفة، فقد كانت تلك العاصفة الرعدية أو الرَّاعدة قنديلا ومشعلا وقّادا ينير لنا الدرب في ديجور الظلام.

وإذا أراد الله نشر فضيلة // طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت // ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود

يقول أفلاطون: "إن تعبت في الخير فإن التعب يزول والخير يبقى". ويقول سقراط: "ليسَ العاطل مَنْ لا يؤدي عملًا فقط، بلِ العاطل منْ يؤدي عملا، في وسعه أن يقوم بما هو أجَلّ منه". فليكن التفاؤل ثقافة لا تقبل الخوف أو التوقف في وسط قطاع الطريق والمثبطين، إنها روح أخرى ملتصقة بروح صاحبها تظهر آثارها في كل خطوة يخطوها.‏ ولرُبما هذه الشدائد التي تعتري طريقك اليوم أيها العابر لمسالك النجاح والرقي، ستكون الفصول الشائقة في قصتك التي سترويها غدا للأجيال القادمة، ليقتفي الخلف بالسلف، وتستمر عجلة الحياة بناء وإعمارا، وسعادة وتطورا وابداعا، قد يكتفي المحيطون بك بمشاهدتك وأنت تسقط ولكن قد يرسل الله لك من يقوم بانتشالك من سقوطك وأنت لا تلقي له بالًا "وما يعلم جنود ربك الا هو" [المدثر، 31]

ثق بنفسك أيها الفارس المغوار فكلننا جميعًا في مركب واحد، وقدس رُوحك وامضِ في مسارات الحياة مُفتخرا بذاتك، وتأكد أن هُنالك أشخاصا ينظرُون إليك، ولو أمكن لأصبحُوا أنت، فلا تحزن وتذهب نفسك حسرات على ذلك، وامض مقتفيا لسيرة حياة الناجحين واقتبس من هممهم العالية لتحصيل العلوم ونبيل العلى، وتخطي العقبات وتجاوز المحن والمصاعب، وإذا بلغت القمة فوجه نظرك إلى السفح لترى من عاونك في الصعود إليها وأسال الله أن يثبت قدميك عليها، ولا تحطم الجسور التي عبرتها فربما تحتاج إلى العودة عبرها، ‏كما لا تبصق في البئر المهجورة؛ فقد تعود لتشرب منها يوما ما!

فتَحتُ قلبي لكلِّ الناسِ محتسِبًا // أجري وما كان لي في الناسِ أطماعُ

‏أرى معايبَ أقوامٍ فأستُرُها // وأشترى بنفيسِ الودِّ مَن باعوا

‏وما أزالُ أُداري مَن يكايدُني// مُدَّثِّرًا بسمتي والقلبُ مُلتاعُ

‏لي قُدرةٌ في احتمالِ الناسِ كلِّهِمُ // إلا الذينَ لهمْ في الحُمْقِ إبداعُ

قد تبدو بعض الأماكن بائسة، واحد المرات قاسية، تحتاج إلى من يرممها ويضمد جراحها ويعيد لها الحياة، وكل شيء يعيش في نهاية دورة حياته ينتظر تجديدًا وبعثًا من جديد، وبرأيي بأنه من المهم والأولى هو تجديد الإنسان والاهتمام به ورفع معنوياته، وبعث همته وأمله في الحياة من جديد، خاصة تلك القلوب المتعبة، والنفوس المجروحة، والأرواح البائسة. فكل الطرق جميلة، ما دامت في سبيل النهوض وبلوغ الهدف، وإن كثرت عقباتها ومتاعبها، وعلت أحجارها، وكل أيامنا مباركة، ما دامت توقظنا نحو معانقة المجد ومصافحة الثريا، يقول الشاعر محمود درويش: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا اليها سبيلا". فمتى نفسح للنور أن يشق طريقه نحو الأفق، ومتى ينبلج الصبح وتطلع الشمس الساطعة لتملأ الأرجاء بهاء وصفاء وحللا سندسية وأرفة، متى ينبلج الصباح ونقول للظلام وداعا، فالنجوم أفلت برمتها تباعا سراعا، وبقي العقل مختطفا وسط ديجور الدجى، فقد مج الغَبَش، وينتظر انبلاج الصبح ولكن لا يرى إلا ليلا حالكا اكتنفه الجواء وأسبله الظلام والودق، واشتملته أطياف مسبلة حتى الموبق، وتشعبت منه شجون الحيف والأسى، وبدأ الضيم يكتنفه، وقد عبثت به أمواج الأوصياء على العالم متى يرفع الضيم عن العقل وتدفع أمواج التخلف والجمود والظلم.

قراءنا الأعزاء في كلّ مكان.. كُنّا وما زلنا نستمدّ الدعم منكم، فعلموا محبيكم وأولادكم أن طريق النجاح يشق بأيدي الرجال المثابرين البواسل، أصحاب التضحيات العظيمة، وأن الآمال الكبيرة والأحلام الذهبية لا تحملها إلا أكتاف أصحاب الهمم العريضة العالية، وأن غبار الإنجاز أجمل على النفس من نسيم صباح عليل معتق بالكسل والبطالة والخمول والدعة! لعلي عما قريب أروم بعثا جديدا حقا لاحقا، ويومذاك تصبح آلامي لا شيء يطويها الفناء، فيمكنني لقاء أحبائي بقلب صاف ونفس نقية طاهرة مبدعة، انتهت القصة واغلق الكتاب، وأرخى الليل سدوله، فغطى على المعركة اللافحة التي لا يزال أوراها مشتعلًا، والتي تدور رحها بين عقولنا التي تعرف الحقيقة، وقلوبنا التي ترفض تقبلها.

تعليق عبر الفيس بوك