خوارق العادات من زاوية علمية! (1)

 

 

أ.د. حيدر أحمد اللواتي *

لعبت خوارق العادات دورًا مهمًّا في تاريخنا البشري؛ اذ لا تخلو حضارة من الحضارات من قصص وحكايات حول حوادث خارقة للقانون الطبيعي، ومنها حضارتنا الإسلامية؛ فكُتب التاريخ والحديث تحوي في طياتها عددا من الحوادث الخارقة للقانون الطبيعي، وإذا حدثت خوارق العادة على يد ولي من أولياء الله فإنها تسمى بالكرامة، أما إذا حدثت على يد أناس غير معروفين بالورع والتقوى كأن يكونوا من ديانات أخرى فهذه لا تعد من الكرامات وتُطلق عليها مسميات أخرى، وأضاف البعض تقسيمات أخرى لخوارق العادات مذكورة بتفاصيلها في الكتب المخصصة.

وإذا عرَّفنا خوارق العادات بأنها الحوادث التي تخرق قوانين الطبيعة، فإنَّ تدخُّل علوم الطبيعة يُصبح عندئذ واضحًا وضروريًّا؛ لأن علماء الطبيعة هم من لديهم القدرة على الحكم على حادثة ما بأنها خارقة للقانون الطبيعي أم لا، كما أن هذه الظواهر الخارقة للعادة تصبح موضع اهتمامهم، فالفضول العلمي يدفعهم للتحقق من صحتها؛ لأن البحث عن التفسير الطبيعي للظواهر التي لا يمكن تفسيرها بالنظريات العلمية الموجودة زمن وقوع الظاهرة، هو أحد أهم الأسباب التي تؤدي تطور المعرفة العلمية والوصول الى نظريات علمية جديدة، يمكن من خلالها تفسير تلك الظاهرة وتقديم تفسير طبيعي لها.

وقد ورد عدد من الحوادث الخارقة للقوانين الطبيعية في كتب تاريخنا الإسلامي، وسنتحدث عن إحداها كمثال على بعض أنواع الكرامات التي وردت في هذه الكتب، وهي القدرة على المشي على الماء؛ فالمشي على الماء دون الاستعانة بأدوات معينة، يعد أمرا خارقا للقانون الطبيعي؛ وذلك لأن كثافة الماء لا تسمح للإنسان بأن يطفو، لذا فهو يغوص في الماء بمجرد أن يضع قدمه على سطحه، ولكن يمكن للإنسان أن يطفو على سطح الماء في حالتين فقط؛ الأولى: إذا استطعنا أن نرفع من كثافة الماء بشكل كبير جدا، وذلك بأن نضيف إليه كمية كبيرة من الأملاح؛ بحيث ترتفع كثافته وتسمح للإنسان بأن يطفو على ظهر الماء كما يحدث عندما تسبح مثلا في البحر الميت؛ فملوحة البحر الميت تفوق ملوحة البحار الأخرى بحوالي تسعة أضعاف. والثانية: أن يجري الشخص بسرعة كبيرة قدَّرها البعضُ بثلاثين مترا في الثانية، وهي سرعة كبيرة لا يمكن للإنسان أن يصل إليها بصورة طبيعية؛ فأسرع العدَّائيين يقطعون ما يقارب المائة متر في عشر ثوانٍ فقط، وقد ورد في تاريخنا الإسلامي عن بعض الصحابة والتابعين أنهم ساروا على الماء، كما ورد أيضا أن جيشا كاملا قوامه أربعة آلاف فارس ساروا كلهم على الماء؛ إذ ورد عن أحد الصحابة قوله: "فمشينا على الماء، فوالله فما ابتلت قدم ولا خف بعير ولا حافر دابة، وكان الجيش أربعة آلاف".

إنَّ مرويات المشي على الماء وأشباهها، والتي وردت في بعض كتبنا التي توثق تاريخنا الاسلامي، لا يجب أن تمر دون تحقيق، لأن ذلك يفقد المجتمعات روح البحث والتنقيب والسؤال، ويجعلها تتقبل كثيرا من الأفكار دون بذل مزيد من العناء في التفكير، فأنَّى لنا أن نربي أجيالا تعمل فكرها الناقد ونحن نطالبها أن تتقبل مثل هذه الحوادث وتمر عليها مرور الكرام!

 إن مثل هذه الكرامات تحتاج إلى أدلة قوية جدا، وحشدا من الشهادات يعادل حجم الجيش الذي سار بفرسانه على الماء؛ فربما بذلك تعادل ضخامة الادعاء الذي تدعيه، ولا يصح الاحتجاج برواية رواها أحدهم حتى ولو كان هذا الراوي في غاية الورع والتقوى؛ فالدليل يجب أن يعادل حجم الادعاء والاّ لا يعد دليلا يُعتد به؛ لذا فإن الحوادث الخارقة للقانون الطبيعي والتي وردت في تاريخنا الإسلامي تحتاج إلى أدلة غاية في القوة؛ بحيث يمكن لها أن تحول القناعة باستحالة السير على الماء بالطرق الطبيعية إلى إمكانية حدوثها بالكرامة! لكننا وللأسف الشديد نجد أن بعضنا ربما يتشدد في التثبت من هلال ليلة العيد أكثر من تشدده في التثبت بحدوث هذه الخوارق؛ فهلال ليلة العيد عند هؤلاء يحتاج إلى شهادة عدلين، بينما تكفيه ورود هذه الخوارق في بعض كتب التاريخ أو الحديث ليقتنع بصحتها دون تحقق أو تمحيص ولو كانت الحادثة تضرب بقوانين الطبيعة عرض الحائط!

وللحديث بقية....،

 

* كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس