حصار الأحرار

 

 

◄ حتى هذه اللحظات لم تنتهِ مأساة الشعب الفلسطيني الذي يضرب للعالم أروع الأمثلة في الصبر طلباً لزوال الاحتلال.. لقد أصبحوا بسجن كبير اسمه غزة، وزنزانة تعذيب مؤلمة اسمها رفح

 

 

محمد رامس الرواس

في ظل هذه الأيام الصعبة لإخواننا الفلسطينيين، وفي ظل حصارهم وتجويعهم بقطاع غزة عامة ومدينة رفح الفلسطينية خاصة، من قبل دولة الكيان الصهيوني وأعوانها من دول الغرب والولايات المتحدة، تصل المأساة حالياً إلى ذروتها، وأحوالهم إلى اقصى درجات البؤس والشقاء.. إنَّه حصار مُستأسد؛ فدولة الكيان اليوم أكثر نفيرا في العالم، ونفيرها يجد له صدى في دول كثيرة لا تبالي بمشهد الجموع الفلسطينية التي ناهزت المليون ونصف المليون في رقعة أرض صغيرة، امتلأت باللاجئين الجوعى والمشردين من ديارهم ومساكنهم. لقد أصبحت رفح الفلسطينية -والتي تبلغ مساحتها 55 كيلومترا مربعا، والتي كان يقيم فيها حوالي 200 ألف مواطن فلسطيني- يتكدس فيها الآن حوالي مليون ونصف المليون بعد عمليات تهجي ممنهجة نفذها الجيش الإسرائيلي من الشمال إلى الجنوب إلى رفح.

تقفُ رفح الفلسطينية اليوم على شفا مجاعة إنسانية غير مسبوقة، أُنَاس فقدوا مساكنهم وأهليهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأصبحوا محاصرين، ولم تعد له إلا رحمة الله عز وجل، بينما الكيان الإسرائيلي بعد هذا الحصار والتجويع يقصف ويهدِّد بالاجتياح ويبشِّر بمأساة ستحدث لهم.

حدَّثنِي صديق فلسطيني يقيم بالسلطنة أنَّ أسرته التي كانت تُقيم في شمال قطاع غزة قد تمَّ تهجيرها منذ الأيام الأولى للاجتياح البري للجيش الإسرائيلي إلى الجنوب، ففقدوا أولا مساكنهم وممتلكاتهم وهم يُهجَّرون قسراً، وفي الجنوب أصبحت حالتهم يُرثَى لها، فهم ينتقلون من مدرسة إلى مدرسة طلباً للمأوى، ومن مستشفى إلى مستشفى طلباً للعلاج، يُرحَّلون تحت التهديد والاستهداف ومرمى القصف الجوي والمدفعية الإسرائيلية التي لا تهدأ أبداً تقض مضاجعهم، بينما أعدادهم تتناقص يوما بعد يوم وأحوالهم تسوء بمرور الأيام، ويلاحقهم الموت إما استشهادًا أو إصابات بليغة. وأضاف قائلاً: ما زالوا يتحركون كمجموعة لكي يساندوا بعضهم البعض بتوفير الغذاء والدواء لأنفسهم ومن حولهم؛ فمنهم الطبيب، والمحامي، والمهندس، والأستاذ الجامعي، أناس كِرَام أفقدتهم الأحداث المأسوية أغلى ما يملكون "الحرية"، فأصبح همهم الغذاء والدواء والمأوى لنسائهم وأطفالهم.

حتى هذه اللحظات لم تنتهِ مأساة الشعب الفلسطيني الصابر الذي يضرب للعالم أروع الأمثلة في الصبر طلباً لزوال الاحتلال؛ لقد اصبحوا بسجن كبير اسمه قطاع غزة، وزنزانة تعذيب وتجويع مؤلمة اسمها رفح.

وأضاف صديقي قائلاً: لم يعد يشتغل رجال العائلة إلا بتوفير لقمة العيش للأطفال خاصة، دعك من الحرمان من لقمة العيش؛ فالدواء أصبح أكثر صعوبة للمرضى، فليس هناك جهة يمكنها أن تحميك إلا نفسك؛ فالحصار اصبح حولك وحواليك، ولقد اتضح أنَّ حرمة النفس الإنسانية في هذا العالم يستهان بها في فلسطين الأبية.

وختاماً.. نسال الله العلي القدير أنْ يُنقذ أهلَ فلسطين عامة وقطاع غزة ومدينة رفح خاصة مما يعانوه من مآسٍ في سجنهم الكبير بأرضهم؛ فله الأمر عزَّ وجل من قبل ومن بعد، وهو أرحم الراحمين.