إلى مسندم مع التحية

 

د. خالد بن حمد بن سالم الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

 

 

شُرفت بزيارة مسندم 3 مرات، على سنوات مُتباعدة، كانت الزيارة الأولى وأنا لا زلت على مقاعد الدراسة رفقة والدي- رحمة الله تعالى عليه- ثم بعد سنوات من تقديم برنامج تدريبي، وهاتان الزيارتان كانت الوجهة فيهما ولاية خصب حاضرة المحافظة.

أما الزيارة الثالثة فقد كانت قبل أيام، ومن خلالها شرفت بزيارة ولايات المحافظة الأربعة؛ ولاية مدحا، وولاية دبا، وولاية بخا، وولاية خصب، وهذا الترتيب وفقًا لبرنامج الزيارة التي رافقت فيها نخبة مباركة من رجالات المجتمع.

مسندم محافظة من محافظات بلادي الغالية، تقع في أقصى شمال السلطنة، وتمثل رأسًا لسنام العِزّ والمجد.. رأسٌ يحكي تاريخًا مجيدًا، وأنفة عظيمة، وشموخًا يُطاول عنان السماء.

بين بحرها وجبالها علاقةُ محبة عجيبة، وتواصل يمتدّ لآلاف السنين، لا زال البحر يخط حبال مودته في جبال مسندم العالية، لا زال يظهر محبته خيوطًا من جمال، ونقوشًا من عشق. أي علاقة هذه، وأي تواصل هذا، الذي يجمع بين خَلقين عظيمين من خلق الله سبحانه وتعالى، جبال شاهقة، وبحر لُجّيّ مُتلاطم الأمواج.

ولهذين العظيمين أثرهما الواضح في أهل مُسندم، الذين هم طود شامخ، وأصالة مُمتدة، وحضارة واضحة المعالم، كرم قلَّ نظيره، وبذل ندر مثيله، كيف لك بمن يعشيون بين جبل وبحر إلا أن يأخذوا من هذا شموخه وعلوه وعنفوانه وثباته، ومن ذاك كرمه وسخاؤه وعطاؤه، وصبره وسطوته.

يعتزون بعمانيتهم أيما اعتزاز، ويفخرون أنهم جزء أصيل من وطن عظيم، هم هناك حرس لإنجازات الوطن، ودرع لمكتسباته، جند حق في محراب الولاء المطلق، والانتماء الخالص، والطاعة على حقيقتها لسلطان البلاد المُعظم.

بداية الزيارة كانت بولاية مدحاء؛ ولاية جميلة في انسياب مياهها، وعلو جبالها، وطيبة أهلها، تحيط بها دولة الإمارات الشقيقة من كل الجوانب، في علاقة (جيوسياسية) تؤكد عمق العلاقات بين البلدين، وثقافة الشعبين، ورقي القيادتين، في التعامل مع هكذا تقارب وتواصل وتداخل.

ومنها إلى ولاية دبا ذات الإرث الحضاري، والتبادل التجاري، يشدك جمال شواطئها، وروعة تعامل أهلها، وترحابهم بالضيف الزائر الذي هو صاحب دار ومنزل.

بعد ذلك مررنا بولاية بخا وصولاً إلى خصب حاضرة المحافظة، ومركزها الإداري، وفيها الثقل السكاني، مزيج عجيب بين ثقافات مُتعددة، ولغات رائعة، مما شدني وجود عديد من القرى المنتشرة، تحت سفوح جبالها، مسالكها وعرة، صعبة بسبب التضاريس، ولا يُمكن بلوغها إلا عن طريق البحر، وما أسعدني توفر العديد من الخدمات لأهل هذه القرى.

ثم ختمنا الزيارة بولاية بخاء، ولاية رائعة الجمال، رغم قلة المساحة لكنها كبيرة بإرثها، وأهلها، ورونقها، وأبراجها، وقلاعها.

أنا والصحب الكرام ونحن نغادر مسندم، فقد تأكدت لنا جميعًا العديد من الحقائق التي يجب ذكرها؛ أبناء مسندم عمانيون بدرجة عالية جدا من الوطنية، والمحبة، والإخلاص، والولاء، والانتماء، عمانيون قلوبهم في العامرة مسقط، شموخهم في سمحان ظفار، أصالتهم في العفية صور، ثقافتهم في بيضة الإسلام نزوى، سموهم من قلعة المجد صحار، وجدتهم في مسندم حضورا وفي كل الوطن ألقًا ومحبة، هم حراس ذلك المجد، وحماة الوطن.

كرمهم يعود بك إلى تلك الأيام المسطرة بالفخر والبذل والعطاء، بيوت مشرعة للضيف، قلوب متلهفة للقاء، مشاعر تفيض حبا وتقديرا لكل زائر إليها.

وجدت جهودا حكومية تبشر بالخير، وتؤكد اهتمام الحكومة بهذا الجزء العزيز الغالي، منجزات متنوعة، وعطايا وافرة، ولكنها مسندم التي يجب أن تنال الخصوصية والسبق في كل شيء، نعم السبق في كل شيء.

كانت لزيارة مولانا أثرها على أهلها، ونتائجها التي بدأت تأتي ثمارها، ولأنها في محل القلب والعين عند جلالته، فالخير مُستمر مُتدفق لا ينقطع أبدًا.

ثم دعوة إلى كل مؤسسة حكومية، وأهلية ومدنية وأبناء عُمان لتكن مسندم وجهة للجميع، مزارا للجميع، محتضنا للفعاليات والأنشطة والبرامج واللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات والندوات والفعاليات الثقافية والرياضية والترفيهية.

عدنا من مسندم والشوق إليها يتجدَّد، عندنا من مسندم وكرم أهلها حكاية نرويها، عدنا من مسندم فوجدنا أننا عدنا بمسندم.