القوة الخارقة للرياضة

 

أنيسة الهوتية

"عَلِموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، عبارة كُنا نتداولها فيما بيننا على أنها حديثٌ شريف، حينما كُنَّا نتعارف على الأحاديثِ بالتناقل الشفوي، إلّا أننا بعد أن توجهنا إلى المعرفة القرائية من الكتب الموثوقة في الأحاديث والتي بدورها أعلمتنا بأنها قولٌ من أقوال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتبه إلى أهلِ الشام بعد فتحه في عهده.

وفي كِلتا الحالتين يجب أن نعترف بأن تلك الرياضات كانت مهمة في وقتها للتعلم، ولازالت وغيرها من الرياضات الجديدة المستجدة في الوقت الحالي مهمة جدًا. وبغض النظر عن الأهمية الأكاديمية للرياضة كمثل أن من فوائدها في الجانب الصحي البدني: تقوي العضلات والعظام، تحسن الدورة الدموية والتمثيل الغذائي، تقلل احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري، ضغط الدم، أمراض القلب وغيرها، بجانب أنها بدون أدنى شك تحافظ على الوزن المثالي ومكافحة البدانة والشيخوخة المبكرة كذلك.

ومن فوائدها في الجانب النفسي: تقلل التوتر والقلق، تعزز الثقة بالنفس، تحسن المزاج، تقاوم الاكتئاب، تساعد على النوم. واجتماعيًا: الرياضة تساهم في تكوين صداقات قوية ومتينة، وبناء علاقات مجتمعية مع مختلف المجتمعات والديانات، وتعزز بقوة الذكاء الاجتماعي والموثوقية.

ونضيف على كل تلك الفوائد، فائدة أنها تحمي الشباب من إدمان المخدرات والكحول وكذلك أغلب العادات الاجتماعية الشبابية السيئة، بجانب أنها كذلك تعمل كمساعد في مراحل العلاج من الإدمان المختلف الأنواع.

وخارج إطار الإدمان والعادات السيئة، أن الرياضة تحتوي غضب الشباب ونشاط ضخ الأدرينالين من الغدة الكظرية إلى الدماغ والعضلات، فيستفرغونها في أنواع الرياضات التي يمارسونها حسب ما يناسب تكويناتهم الجسدية، وكأبسط مثال على منفعة الرياضة لتقنين وتوجيه نشاط الشباب واستخراج غضبهم وطاقاتهم في مجالٍ ينفعهم لتطوير أنفسهم وإضافة بصمة إلى إنتمائتهم الوطنية من قبائل ومدن ودول هو ما أصبحت عليهِ إمبراطورية روما بعد أن توقفت عن إدارة الألعاب الأولمبية والتي كانت قد بدأت في العام 776ق.م كنوع من اختيار جنود معبد الإله زيوس وكان الفائزون يكرمون بتلك المكانة والإعداد لكل دورة كان يأخذ من السنين أربع حتى إذا أتت الدورة الثانية وخسر من كسب في الدورة السابقة أمام الشباب الجُدد تنازلوا عن مكانتهم للفائزين الجُدد، وكان تحديًا ليس بسهل لأن الشباب دائمًا أقوى من حيث متانة العضلات والعظام وكذلك فترة أربع سنوات ليست بقليلة للإعداد، حتى كانت آخرها في عام 393م، وبعدها بجيل واحد فقط وثمانين عامًا مرت وإذا بإمبراطورية روما العُظمى لا تسقط على ركبتيها فقط بل إنما تهوي على رأسها إلى القاع تمامًا في عام 476م، ثم الإعلان عن إنهائها في عام 480م.

وكل ذلك تم من بعد عدة جولات وصولات من الفوضى العسكرية والهجمات من قبل القبائل الجرمانية الشمالية الهمجية بعنف شديد بعد أن توجه شباب روما إلى العيش المريح الممتع بعيدًا عن الانشغال بما يقوي طاقاتهم وعضلاتهم وأدمغتهم، وغرقوا في متعة الحياة الدنيا بمختلف ملذاتها المحرمة، والبذخ والإسراف الذي زاد غضب فئة الشباب الفقراء على غيرهم من الأغنياء واتفاقهم مع الهمج الجرمن لإلغائهم من الوجود دون الاكتراث بأنه سيلغي إمبراطوريتهم من الوجود الذي هم لم يكونوا مرتبطين بهِ عاطفيًا كدولة ينتمون لها لأنها لم تقدم لهم ما يحتاجونه! ولو حتى بإشغالهم في الرياضة لاحتواءِ طاقاتهم وغضبهم العارم.

وخارج دوائر الألمبياد الخمس، وفي زمننا الحالي الرياضي المنجز هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يرفع علم دولته ويشغل نشيده الوطني في دولة أخرى بعد حكومة بلده.

إذن.. الرياضة ليست مجرد ترفيه؛ بل هي العمود الفقري للسياسة، والسياحة، والتجارة، والاقتصاد، والإعلام....إلخ.