محمد بن رامس الرواس
"صديقك من صدقك وليس من صدَّقك".. حكمة تحاول الولايات المتحدة قولها لإسرائيل من خلال التقارير العسكرية الميدانية بأنها في وضع مُعقد ولا يمكن تحقيق أهدافها بحرب غزة.
كان مجلس الحرب الإسرائيلي منذ اليوم الأول للاجتياح البري لجيشه يُوهم نفسه بنصرٍ كان يعتقد أنه سهل وقريب، وظل طوال الفترة الفائتة يروي لمواطنيه حكايات قرب سحق حماس، والقبض على يحيى السنوار، وإعادة الأسرى، وغيرها من الأوهام التي تُداعِب مُخيِّلَتهم، وكانوا يصدرون لمواطنيهم خاصة لليمين المتطرف حكاية أن بقاء كتائب عز الدين القسام والمقاومة بشكل عام أمر مفروغ منه، حتى وإن دمروا الأرض وقتلوا المدنيين، خاصة وأن هناك دعم دولي للجيش الإسرائيلي متضامن معهم وعلى رأسه الولايات المتحدة؛ بل أكثر من ذلك أن حلفاءهم كانوا يعتقدون أن نصر الكيان الإسرائيلي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل!
ورغم ذلك كله، فإنَّ حكاية الحرب لم تنتهِ بعد أن امتدت إلى ما يزيد عن 128 يومًا؛ حيث إن هناك أسئلة كبرى لا تزال تفرض نفسها: من يدير المشهد العسكري في غزة؟ من يقود المعركة على الأرض؟
ولا شك أن الصمود والضربات القاصمة التي وجهتها المقاومة الباسلة وتلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالكثير من البكاء والنواح تجيب على هذا السؤال، نعم إن كتائب المقاومة هي من تدير المشهد في غزة بعون من الله عزوجل وتوفيقه وتتحكم بمفاصل الأرض.
لذلك يذهب مجلس الحرب الاسرائيلي الآن إلى البحث عن نسج حكاية نصر وهمي في مدينة رفح الفلسطينية من أجل تسويقه للعالم على أنه إنجاز يمكن أن يغمض الجميع أعينهم عن كل خسائر الحرب التي لحقت بالكيان الإسرائيلي؛ سواءً في الميدان من خلال تدمير ما يزيد عن 1100 دبابة وآلية حربية، وسقوط آلاف الجنود بين قتلى وجرحى، وداخليًا من خلال ما عُصِفَ باقتصادها وعملتها، وخارجيًا ما لحق بها من تهم موثقة لجرائم إبادة ترتكبها في قطاع غزة.
فأي نصر يريد جيش الاحتلال البائس تحقيقه في رفح؟! باستثناء ارتكابه جريمة حرب جديدة تُضاف الى سجله الدموي المليء بجرائم حرب وصلت الى استدعائه للمثول أمام محكمة العدل الدولية وأمام المجتمع الدولي بتهمة تنفيذ جريمة إبادة جماعية مع سبق الإصرار والترصد، وهذا يؤكد أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل الآن أكبر من بحثها عن نصر وهمي تلجأ إليه لتحسين صورتها أمام حلفائها الذين وثقوا بها لإنهاء وجود حماس.
لقد أصبحت وسائل القصف والاجتياح أوراقًا محروقة، يقوم مجلس الحرب باللعب بها لانتزاع إنجاز خادع، بينما هناك رجال أشدَّاء مُلثمون منشغلون بالقيام بمهامهم القتالية عند المواجهة؛ سواءً بالميدان أو من خلال طاولة المفاوضات، مهام ينهونها بفضل الله على أكمل وجه، فلم يُسجَّل إلى الآن أن ثبت دخول أحد جنود كتائب المقاومة بإحدى المستشفيات العامة، بينما ظلت إسرائيل تسرد أكاذيبها بأن المقاومة تستخدم المستشفيات كملجأ لها.
لقد انشغل مجلس الحرب الإسرائيلي بالبحث عن نصر لم يجد سبيلًا له في ظل صمود باسل للمقاومة وللشعب الفلسطيني العظيم، بينما انشغلت حماس بترتيب أولويات المعركة من مهام ناجحة ومفاوضات ذكية، فاستحقت عن جدارة نياشين النصر مقدمًا؛ حيث إن ممارسة التضليل والخداع الذي يقوم به مجلس الحرب لم يعد يصدقه حتى بعض أعضائه؛ فالأرض وأهلها هم المنتصرون في النهاية بإذن الله تعالى.
وأخيرًا.. إنَّ تدمير هذا العدد الهائل من الدبابات والجرافات في الحرب والتي أعلنت عنه المقاومة الفلسطينية بغزة، بجانب جثث جنود وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي التي لا يُعلن عنها بدقة، وكذلك المصابين الذين امتلأت بهم المستشفيات في غلاف غزة وغيره الكثير، كلها مُعطيات ستكتب نهاية الحكاية، وستحدد من المنتصر الحقيقي!