حاتم الطائي
◄ أمريكا لا تسعى سوى لزيادة مبيعات السلاح لتعزيز نمو اقتصادها وهيمنتها العالمية
◄ إسرائيل أداة وظيفية بيد واشنطن كي تبقى المنطقة العربية في تأخر وتخلُّف
◄ أمريكا تنكص بوعودها وتنتهك المواثيق لإبقاء نيران الصراعات مشتعلة
برهنتْ الأحداث والحروب والصراعات على مدى العقود الماضية أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست سوى عملاق مفتول العضلات بلا عقلٍ راشدٍ وواعٍ يُساعده على توظيف قوته؛ بل أيضًا فائض القوة التي يملكها، في صالح خير البشرية ومن أجل منفعة النَّاس في كل مكان، نقول ذلك والفشل يُلاحق أمريكا في كل أزمة وصراع حول العالم.
أمريكا الفاشلة في الشرق الأوسط، هي تجسيد واضح لتصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، الذين يؤكدون أنَّ البيت الأبيض لا يهمه سوى إدارة الأزمات لكي تصب في صالح الولايات المتحدة، وهو في المقام الأول إنعاش تجارة الأسلحة الأمريكية التي تمثل قرابة نصف تريليون دولار سنويًا أي 500 مليار دولار، ومن ثم إبقاء أمريكا متربعة على قمة اقتصادات العالم، بناتج محلي إجمالي يبلغ 23 تريليون دولار، وهو ما يمثل ربع الاقتصاد العالمي.
ولنا في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كونداليزا رايس، عندما قالت إنَّ أمريكا ليست معنية بحل أزمة الشرق الأوسط، ولكن إدارة الصراع، تحقيقًا لمصلحتها الخاصة، وهذا هو مفتاح فهم آلية تفكير الإدراة الأمريكية ومعرفة أسباب فشلها الذريع في إحلال السلام في المنطقة؛ إذ إنها معنية فقط بأمن إسرائيل، حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال "إن لم تكن هناك إسرائيل، لصنعنا إسرائيل"، وهذا هو دور واشنطن في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم، زعزعة الاستقرار، وزرع بؤر توتر وحروب وصراعات واغتيالات في كل بقعة على هذا الكوكب، لكي تضمن لنفسها التفوُّق الاقتصادي والعسكري. الولايات المتحدة لا تهدف سوى لتدمير العالم العربي، وإبقائه في المربع الأول، دون إنتاج حقيقي، ودون تصنيع فعلي، ودون زراعة مُثمرة، حتى نظل دائمًا في حاجة مُستمرة لها، ويبقى العرب رهن هيمنتها وسيطرتها.
والواضح لدينا أنَّ إبقاء دولة سرطانية مُغتصِبَة للأرض مثل إسرائيل، في قلب الشرق الأوسط، مع تدنيسها للقدس، برمزيتها الدينية السامية لدى المسلمين والعرب، باعتبار المسجد الأقصى ثالث الحرمين، يهدف في المقام الأول إلى كسر المعنويات الشعبية لدى عموم العرب والمسلمين، ومن ثم القبول بالأمر الواقع المفروض على الأنظمة التي يبدو أنَّ الكثير منها استسلم للسيد الأمريكي!
تصريحات الإدارة الأمريكية وخاصة تصريح بايدن سالف الذكر، يمثل واحدة من أخطر التصريحات التي أدلى بها رئيس أمريكي على مر التاريخ، لأنها تؤكد النية المُبيتة والحرص المُتواصل على إبقاء فتيل الحروب والصراعات مشتعلًا، وصب الزيت على النَّار كلما هدأت، فكيف نُفسِّر الصمت المُخزي للدولة التي تزعم كذبًا وزورًا أنها تُدافع عن حقوق الإنسان حول العالم، حيال جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني في غزة، من قتل وتدمير ونسف للمباني والأحياء السكنية، وتجويع 2.3 مليون إنسان، وحرمان كل هذه الأرواح البشرية من المعونات الإغاثية بقصفها تارة، ومنع مرورها تارة أخرى، علاوة على قطع الاتصالات والكهرباء. ولا تشعر أمريكا الفاشلة بالخزي والعار عندما يُطبق الصمت عليها بينما 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة يئنون تحت وطأة الجوع والإبادة الجماعية والبرد القارس، في حين أنها تتشدق بما تعتبره "حقوق الإنسان"، وتزعم أنها راعية هذه "الحقوق" حول العالم.
الحقيقة الكاشفة أن أمريكا أدمنت الحروب والصراعات، ولم تعد ترى سوى إشعال بؤر التوتر سبيلًا كي تظل مُهيمنةً على العالم، كما إن هذه الحروب أيضًا تمثل حلًا سهلًا لأزماتها الداخلية وصراعاتها الحزبية، فكُلما اقترتب انتخابات الرئاسة الأمريكية اشتعلت الحروب في العالم.
وبالتوازي مع هذه الحروب، تعمل أمريكا على الاستفادة من الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة حول العالم، لضمان السيطرة المُضاعفة، وتمرير أية سياسات أمريكية في أي إقليم حول العالم، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو في آسيا وحتى أفريقيا، والهدف الأوحد هو استنزاف موارد التنمية في كل دولة لصالح صناعة الحروب المدمرة، وثقافة الغزو والعدوان، تمامًا كما حدث في أفغانستان والعراق، ثم سوريا وليبيا واليمن، وفي أوكرانيا، والآن في فلسطين، فالهدف أن تظل دائرة الحرب بلا نهاية.
ونموذج أوكرانيا يكشف عن الكثير من الدلائل التي تُؤكد النهج الأمريكي الخبيث، وخطرها الداهم على الأمن والاستقرار العالميين، فقبل نشوب الحرب في أوكرانيا، أججت واشنطن العلاقات بين موسكو وكييف، وعملت على الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق الذي كان يحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا، إيمانًا بأهمية روسيا الجارة له، ثم جاء الرئيس الحالي المُتحالف مع الغرب بقيادة أمريكا، وبدأ معه الاستفزاز الخطير للأمن القومي الروسي، ما دفع موسكو إلى استباق التحركات الغربية تجاهها، وشنت العملية العسكرية في أوكرانيا. وهذه الحرب كشفت كيف أن أمريكا عملت على استدراج روسيا وإيقاعها في فخ أوكرانيا وتشجيع كييف على استفزاز الدب الروسي، ولكن مع توجه الأنظار إلى غزة، تخلت أمريكا عن أوكرانيا وبدأت تركز دعمها وتوجه سلاحها إلى إسرائيل، وباتت أوكرانيا ومن ورائها أوروبا في مواجهة منفردة، ضد روسيا. لكن أوروبا اليوم تنزف وتستغيث وغير قادرة على تمويل حرب أوكرانيا، لا سيما بعدما أصبحت ألمانيا تشتري الغاز الأمريكي بثلاثة أضعاف التكلفة، بدلًا من الغاز الروسي الرخيص، وقد أصبحت تكلفة المعيشة مرتفعة للغاية في ألمانيا، ما يضع برلين في موقف صعب، يجعلها تُركِّز أنظارها على الداخل الألماني.
وإذا أمعنا النظر في طبيعة الأدوار الأمريكية في العالم، نجد أنها صانعة الإرهاب وشريكة أساسية فيه، فتنظيمات متطرفة وإرهابية مثل القاعدة أو داعش أو أي كتائب أو ميليشيات مُسلّحة في أي مكان بالعالم، هي صنيعة أمريكية، وتمويل أمريكي، وتسليح أمريكي، حتى عندما نشأ تيار "الإسلاموفوبيا" كانت واشنطن أحد رعاته!
وأخيرًا.. من مؤشرات الدور الأمريكي السلبي في العالم وتجلياته في فشل سياستها واستراتيجياتها، أن الولايات المتحدة لا تلتزم بالعهود والمواثيق، مثل الاتفاق النووي الإيراني، والذي أعاد هذا الملف إلى نقطة الصفر، إلى جانب عدم التزامها باتفاقيات أوسلو، والكثير من الاتفاقيات، وهذا يؤكد رؤيتنا أن أمريكا دولة بلا مبادئ، هي فقط تنظر لمصلحتها المُتغيِّرة دائمًا والتي تصب في كفة الحرب والعدوان والدمار.
أمريكا مثالٌ حيٌّ على الفشل الذي يكشف عورة نظام عالمي معيب منح الهيمنة والقوة لدولة لا تملك أدنى مقومات الرُشد، دولة تُدبِّر المؤامرات بليلٍ، وتحيك خيوط الأزمات كما العنكبوت تنسج بيتها الواهن، تغتال خصومها بكل خسةٍ ونذالةٍ، تغدُر بمن تُسمِّيهم "حلفاء" لها، تخدع أصدقاءها، وتبتزهم بالديون تارة والاستثمارات تارة أخرى، ولا مانع لدى الولايات المتحدة من أن تسرق أموال الشعوب والحكومات جهارًا نهارًا، تحت وصف "العقوبات".
ويبقى القول.. إنَّ العالم سيظل يكتوي بنيران الفشل الأمريكي، ما دام النظام العالمي الحالي يقوم على "القطب الواحد"، بينما المخرج من هذه المُعضلة يتمثل في عالم مُتعدد الأقطاب، وحكومات وأنظمة تُعبِّر عن تطلعات الشعوب وتستهدف رضا مواطنيها، وليس إرضاء أمريكا والغرب ومؤسساته المالية والاقتصادية والسياسية، وإذا ما نجحت الدول العربية- على وجه الخصوص- في بلورة رؤية مشتركة وموحدة من أجل تحقيق النهضة العربية الشاملة، فلن تستطع أمريكا ولا غيرها أن تفت في عضد هذه الوحدة.. فهل يتحقق الأمل؟!