بطاقة صفراء!

 

الطليعة الشحرية

الحكم التاريخي لمحكمة العدل الدولية بمثابة كأس نصف ممتلئ، تتخبط في وصفه بين السلب والإيجاب، وقد اعتبرُهُ بمثابة "بطاقة صفراء" تحذيرية للاعب غبي تعوَّد تكسير سيقان وأقدام اللاعبين الآخرين!

إنِّه قرار يُشرع فتح نوافذ مُغلقة حمت الكيان الصهيوني المُحتل، وسيُصبح الآن إعادة رفع قضايا مُماثلة ويفتح المجال لمحاسبة قادة الاحتلال. هو قرار تحذيري بأنَّ الحصانة التي يتمتع بها الكيان المُحتل منذ أكثر من 75 سنة قد ترفع، وعلى كل حلفاء "تل أبيب" وعلى رأسهم الكيانات الصهيونية الوظيفية العربية الانتباه فمصائرهم على المحك.

الطوفان وسفينة نوح..

فتحت أبواب السماء، وصبّ الماء منها صبًّا على خلاف المعهود من نزول المطر، وتحولت الأرض كلّها إلى عيون تتفجّر منها المياه تفجرا عنيفًا، إنه الطوفان العظيم ومن صعد السفينة نجا ومن ظلم وبغى انتهى. ويُعاد المشهد اليوم في تفجر طوفان 7 أكتوبر وسقطت أقنعة ومعتقدات ومصطلحات وقيم وضعية استهلاكية لا قيمة لها. الأنظمة الخانعة العاجزة الوظيفية حلفاء تل أبيب من العرب وأنظمتهم الوظيفية تتكشف وتتعرى أمام شعوبهم والعالم. قفزوا من سفينة نوح يساعدون الكيان المحتل في خرق السفينة كي لا تنجو. أن يرتفع صوت صفارة محكمة العدل الدولية وترفع كرتا أصفر للتنبيه من طوفان أعظم يفوق 7 أكتوبر سيعصف بالأنظمة الرأسمالية الصهيونية، إنها رياح التغيير وبداية الربيع الغربي هذه المرة. السؤال للأنظمة الوظيفية حليفة إسرائيل ماذا بعد الطوفان هل أنتم دول مستقلة أم محتلة؟

لعنة العقد الثامن..

سقطت أسطورة "الجيش لا يُقهر" وسقطت هيمنة أمريكا وبريطانيا الاستعمارية بقذائف استهدفت سفنها الحربية في البحر الأحمر، إنه الهاجس والهوس الصهيوني الذي يُسيطِر على عقول أبناء الكيان المحتل منذ 75 سنة بأنهم لصوص مُغتصبين لأرض "السمن والعسل" حسب الروايات التوراتية، تجلّت بعد انهيار ترهات الجيش الذي لا يقهر، وبلعت أسطورة من النيل للفرات. كل الأساطير والمزاعم التي روجها الكيان المحتل بمُساعدة لا مشروطة من المعسكر الرأسمالي الصهيوني الصليبي الغربي ودعم من أنظمة إقليمية وتغيب من الإعلام العربي؛ بل وفي بعض الأحيان تصل إلى ترويج تلك الترهات من بعض القنوات المأجورة.

إنَّ العقل الجمعي الصهيوني لبني صهيون مُدرك لحقائق تاريخية وهي لعنة العقد الثامن حتى وإن تهكمت الأذرع الإعلامية الصهيونية من النبوءة إلا أنها راسخة وثابتة في وجدان الصهيوني وهذا واضح في التصريحات الإعلامية وبالأخص لرئيس الوزراء الأسبق "إيهود باراك"، الذي ما ينفك عن التذكير بلعنة العقد الثامن.

وحسب المؤرخين الإسرائيليين تعود الجدلية إلى مملكة "داود" قبل حوالي عام 1000 قبل الميلاد، والتي استمرت أقل من ثمانين سنةً، ومع وفاة الملك "سليمان" في بداية العقد الثامن من حياة هذه المملكة بدأت بوادر الانقسام والتشظّي تغلب عليها، ما أدى إلى انقسامها إلى مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها نابلس، ومملكة يهودا في الجنوب وعاصمتها القدس، وما لبثت كلتا المملكتين الضعيفتين أن سقطتا لاحقًا على يد الآشوريين ثم البابليين.

أما الكيان الثاني فقام باسم "مملكة الحشمونائيم" حوالي عام 140 قبل الميلاد خلال فترة الحكم اليوناني لفلسطين، نتيجةً لثورة "يهودا المكابي"، ولكن هذه المملكة دخلت في العقد الثامن من عمرها كذلك في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها. ولم يقم لليهود أي كيان مُستقل سياسيًا في فلسطين على مدار التاريخ غير هذين الكيانين، حتى قيام دولة إسرائيل الحالية عام 1948، أي أنها الآن في منتصف عقدها الثامن.

رادكالية الغربية وربيعها القادم..

غُرست إسرائيل في قلب العالم العربي لتحقيق هدف استعماري إمبريالي صليبي صهيوني بهدف إنشاء شرق أوسط جديد يتبع استراتيجية غربية قائمة منذ القرن التاسع عشر، تؤمن بضرورة تقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة يسهل التحكم بها.

من المهم وجود كيان وظيفي مشوه وشاذ في قلب رقعة كبيرة وشاسعة وممتدة من الترابط واللحمة بالعقيدة واللغة ستشكل خطرًا وجوديًا للأطماع الاستعمارية الصليبية الصهيونية. وهذه وظيفية إسرائيل كيان شاذ عليه واجبات التأقلم والقيادة وحماية مرمى المصالح الاستعمارية الغربية.

ويُعاد التاريخ للصياغة بأصابع استعمارية وظيفية لإعادة الوطن العربي إلى تقسيمات جاهلية تسبق الحقبة الإسلامية، فتقسم إلى دولة فرعونية وآشورية بابلية وآرامية وفينيقية وتمكين مملكة داود الممثلة اليوم في الكيان الصهيوني. إنها رقعة شطرنج تُلعب منذ 1000 سنة قبل الميلاد.

رقعة منبسطة ممتدة لها نفس اللسان والدماء شكلت ثقلا وخطرًا استراتيجيًا واقتصاديًا على إمبراطوريات العالم القديم، فقسم بناءً على تقسيمات دينية إثنية لسهولة السيطرة.

وكحال الأنظمة الوظيفية، وجد في التاريخ خونة وعملاء، مهمتهم خرق سفينة النجاة وإرشاد الأعداء كـ"أبو الرغال"، الذي دخل التاريخ من أسوأ أبوابه وهي الخيانة والعمالة. وتُعاد قصة خيانة وغدر "أبو الرغال" اليوم وتتمثل في أنظمة وظيفية تدعم ماليًا واستخباراتيًا الكيان المُحتل، وتكسر أي حصار يطوقه، وتشارك في تحالفات عسكرية لضرب أذرع العصيان التي تتمرد على جنود "أبرهة الأشرم" العصر الحالي وهو النظام الأمريكي الصهيوني الصليبي؛ بل وقد تزيد تلك الأنظمة الوظيفية وتجرم التقويم الشمسي عند ذكر 7 أكتوبر!

سترجم الشعوب، تلك الأنظمة الوظيفية كرجم العرب في الجاهلية "أبو رغال"، وسيصبح شعيرة وفرضا رجم تلك الأنظمة.

حركة تحرير الإنسانية المستعبدة..

بين قبضة الإرهاب الرأسمالي الصهيوني الصليبي وتحت أقدام المرابين الصهاينة تسحق إنسانية البشر، تعربد إسرائيل ككيان وظيفي محتل تلفظه المنطقة العربية والإسلامية واليوم يلفظه العالم بأسرة، لم تعد إسرائيل فوق القانون ولا جيشها خارقاً ولا يقهر ولا أمريكا الدولة العظمى. تهاوت قطع الدومينو بارتفاع البطاقة الصفراء.

الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ سبعينيات القرن الماضي، هي ذاتها التي يحاول الكيان الصهيوني تنفيذها، وكما زعم شمعون بيريز: "لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن".

فكرة برنارد لويس تبناها المحافظون الجدد، وتدور السياسة الأمريكية في إطارها. من المهم للمصالح الاستعمارية أن تخلق شرق أوسط جديدًا، وأن توجد "دين إبراهيمي"، وأن تُؤسس "مجمع فاتيكان إسلامي"، وأن تجتمع كل الاتفاقيات بدءًا من "سايكس بيكو" إلى "كامب ديفيد" والتحالفات المختلفة، كلها خطة ومنهجا يتبعه المحافظون الجدد لتحطيم أي أثر للاستقلال العربي الإسلامي، والقضاء على أي معارضة للأجندة الإسرائيلية.

وهناك أنظمة إقليمية ليست سوى قطع تُحرك على رقعة شطرنج تُلعب منذ القِدم، وحتى اليوم، وإن تغيرت أصابع اللاعبين واختلفت أشكالهم.

نفضت البطاقة الصفراء لمحكمة العدل الدولية الغبار، ورفعت تنبيهًا للاعبين بضرورة تغيير المشهد كي لا يفقد العالم ثقته بالكامل في مكاسبه الإنسانية وفي مبادئ الحريات ويتوجب على اللاعبين إعادة التموضع.

إنَّ مغبة أن تفقد الإنسانية حرياتها، تستوجب معركة تحرير فكرية من عبودية الإعلام الغربي، ومع سقوط أغلب الشعارات والأقنعة بزغت معاركة تحرير إنسانية جديدة تقودها الشعوب الغربية.

ولمفارقة الأقدار أنَّ الراديكالية الشعبوية الغربية تسطع ضد استعبادية النظام الرأسمالي المستفحل؛ فطوفان 7 أكتوبر هو كالطوفان الذي سبق سفينة نوح، إما أن يصعد الجميع وينجون من قبضة الصهيونية والنخبة الرأسمالية المسيطرة على زمام الحكم، أو أن يستمرئ الناس الاستعباد والدونية والتجرد من الحق الإنساني في أن يعيشوا بشرًا أحرارًا.