ألم الحرمان من الذرية

 

حمد الحضرمي **

 

نعمة الأولاد نعمة إلهية، وهبة ربانية، سألها الأنبياء والصالحون، وقرت بها عيون المتقين، هم زينة الحياة الدنيا وزهرتها، يخففون عن آبائهم متاعب الحياة وهمومها، وجودهم في البيت كالأزهار في الحدائق، يسر الفؤاد مشاهدتهم، وتقر العين برؤيتهم، وتبتهج الأرواح بقربهم، الأولاد نبتة الأمل، وأريج النفس وريحان القلب، أولادنا هم أكبادنا التي تمشي على الأرض، من أوتي هذه النعمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا، ومن حرمها فهو المحروم حقًا، وإن كان عنده كل شيء، فنعمة المال والأولاد زينة الحياة الدنيا، قال تعالى "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا" (الكهف: 46).

نعمة الأولاد متعة حقيقية ورزق حسن، تصلح به الأرض ويسر به القلب وتقر به العين في الدنيا، يقول تعالى "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان: 74)؛ فالأولاد نعمة تجد في ابتساماتهم البراءة، وفي تعاملاتهم البساطة، لا يحقدون ولا يحسدون، وإن أصابهم مكروه لا يتذمرون، إنهم شجرة نقاء وارفة الظلال، وأغصان عفوية تحل ثمار القبول والمتعة، إنهم ربيع وزهر وأكاليل ياسمين، إنهم قصيدة أمل وحياة الروح وروح الحياة، إنهم أنفاس عذبة وسحائب ماطرة، وأريج عبق، وما أجمل أن نكتسب منهم نحن الكبار فن التعامل، ونأخذ منهم نقاء القلب، وصفاء النفس، لنعيش الحياة بقلوب متسامحة ونفوس راضية تخلو من الغل والحسد والحقد والضغينة.

وإذا أردت أن تعرف عظيم منة الله عليك بنعمة الأولاد، فانظر إلى من حرم من نعمة الأولاد كيف يتألم قلبه؟ وكيف يحترق فؤاده، وهو في كل يوم يرجو ويأمل من الله أن يرزقه الذرية الصالحة، حتى يملأ عليه حياته ودنياه، فرحًا وبهجة وسعادة وسرورًا. إن المحرمون من الذرية يسعون بكل الطرق لكي يرزقون بالولد، فلا يتركون بابًا إلا طرقوه، ولا مستشفى إلا ذهبوا إليه، ولا طبيبًا إلا تعالجوا معه، وانفقوا أموالهم وضحوا بأوقاتهم وراحتهم، وتلقوا العلاج في داخل الدولة وخارجها، من أجل أن يحظون بعلاج يساعدهم في إنجاب طفل واحد فقط. إن الذين حرموا من الذرية لا يعيشون حياة طبيعية، فهم ينتظرون عام بعد عام هبة الله إليهم، ويرون أمام أعينهم ومن حولهم من الأهل والجيران والأصدقاء يرزقون بالأولاد، وهم يرجون ويتأملون من الله الخير عاجلًا أو أجلًا، وهم في دعوات وآنات وآهات وتناهيد وصرخات وأحزان وآلام.

وإلى كل زوجة وزوج لم يرزق بالذرية، لا تيأسوا من روح الله ورحمته وفضله، فسيدنا إبراهيم عليه السلام وهو خليل الله لم يرزق بالولد إلا بعد مائة وعشرين سنة، وسيدنا زكريا عليه السلام لم يرزق بالولد وقد أصابه الضعف والشيب، إلا أنه توجه إلى الله بالدعاء ولم ييأس حتى رزقه الله بسيدنا يحيى، وقصة المرأة التي ذهبت لسيدنا موسى وهو كليم الله تطلب منه الدعاء لها بأن يرزقها الله الولد، وقد كتب الله لها العقم، إلا إنها لم تيأس من روح الله ورحمته، فسبقت رحمة الله قدره، فرزقها الولد، يقول تعالى "لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" (الشورى: 49- 50).

فيا من لم تُرزق إلى الآن بالولد فلا تيأس وعليك بالاستغفار والدعاء والأخذ بالأسباب والبحث عن العلاج، وعلى مؤسسات الدولة العامة والخاصة مساعدة هذه الفئة المحتاجة إلى العون والمساعدة لأن تكاليف العلاج باهظة الثمن والمواعيد طويلة الأجل، ومن لا يستطيع العلاج على حسابه لظروفه المالية، فليس له سبيل سوى مراجعة العيادات الحكومية التي تحتاج إلى قدرات وإمكانيات بشرية ومادية لتكون فعالة وتقدم خدمات علاجية متطورة لما وصل إليه الطب من تقدم وتطور.

ولكل من ينتظر الفرج ويرجو الله أن يرزقه الولد، ويتألم في كل يوم من الحرمان من الذرية، فعليك بالدعاء لأن الله قريبًا ممن دعاه ورجاه، فالله يقول للشيء كن فيكون، وفي لمح البصر تتغير الأقدار، والله هو الذي يهب لمن يشاء، وقت ما شاء، وكيفما شاء، فلا تيأسوا من روح الله ورحمته، لأنكم تسألون أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، اللهم ارزق كل من حرم من الذرية ببنت أو ولدًا صالحًا يكون قرة عين لوالديه، وفرح قلوبهم وادخل البهجة والفرح والسرور في بيوتهم، إنك يا الله سميع قريب مجيب الدعاء.

** محامٍ ومستشار قانوني