رسالة ولاء من مسندم

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

قيادة النَّاس وإدارة شؤونهم باقتدار نحو المستقبل المُشرق، ليس بالأمر السهل أو الهين، بل يعد ذلك من أهم فنون الإدارة المعاصرة وأصعبها على الإطلاق، وقد أنعم الله على عمان بقيادة حكيمة تعمل بلا كلل أو ملل لتحقيق آمال وطموحات المجتمع العماني بكل أطيافه، فقد سطّرت زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى محافظة مسندم صفحة جديدة من الولاء والمحبة بين القائد وشعبه في هذه المحافظة الغالية على قلب كل عماني من صرفيت حيث أقصى نقطة في جنوب السلطنة إلى مضيق هرمز في أقصى شمال البلاد.

في هذه الزيارة، اختلطت المشاعر الوطنية النابعة من الوفاء الصادق والإخلاص للسلطان التي تجلت على وجوه أبناء مسندم بولاياتها الأربعة خلال الاستقبال الحافل الذي شهدته ولاية خصب عاصمة مسندم والتي تشكل عقدها الفريد وتاج مدنها العريقة.

ولعل اللمسات الجمالية الرائعة والمتمثلة في أداء فرق الفنون الشعبية فني (الندبة والزفة) اللذين تتميز بهما محافظة مسندم؛ وكذلك خروج المواطنين واصطفافهم على الطريق بداية من مرفأ خصب لحظة وصول اليخت السلطاني "فلك السلامة"، ثم إلى سيح المحاسن مقر المخيم السلطاني؛ وذلك ابتهاجًا وسعادةً بالمقدم الميمون؛ مُشكلًا بذلك، لوحة وطنية معبّرة عن هذا الاستقبال الحار لهذا القائد العظيم الذي كان حريصاً بشكل خاص خلال هذه الزيارة التاريخية على التعرف عن قرب على سير المشاريع التنموية التي تنفذ في مختلف ولايات مسندم، وتفقُّد أحوال المواطنين في هذا الجزء الغالي من أرض الغبيراء، ذلك لكون أن مسندم تحتل موقعا استراتيجيا فريدا ليس فقط على مستوى الجزيرة العربية والخليج العربي؛ بل على مستوى العالم أجمع؛ فهي تمثل شريان الحياة الذي لا غنى عنه لدول العالم، وعلى وجه الخصوص أقطار حوض الخليج العربي؛ حيث مضيق هرمز الذي يعد البوابة الرئيسية والممر الوحيد لتصدير قرابة 90% من النفط الخليجي للعالم الخارجي، كما إنه معبر للسفن التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران، وذلك من خلال المياه الإقليمية العمانية في مضيق هرمز. وتكمن أهمية هذه المحافظة في إطلالتها على بحر عمان والخليج العربي، فكانت ملتقى للتواصل الإنساني والتفاعل بين حضارات الشرق والغرب عبر القرون.

إن قائدنا الفذ السلطان هيثم- أعزه الله- ينتمي إلى إرث إمبراطوري عظيم امتد عبر قاراتي آسيا وأفريقيا، وتعد أسرته الكريمة هي الأقدم والأعرق في الحكم في الجزيرة العربية، وهو جدير بالتبجيل والتقدير لمقامه الرفيع، فقد كسب القلوب والعقول معًا، وأدار شؤون الرعية بحكمة واقتدار، وبأخلاق عالية وتواضع منقطع النظير. فلا عجب ولا استغراب عندما يُعبِّر السلطان هيثم عن اهتمامه الشخصي بأبناء هذه المحافظة الأوفياء وأرضها وجبالها الشماء وشواطئها الصخرية الجميلة، التي كانت ولا تزال حصنًا منيعاً من الأعداء الطامعين ومقبرة للغزاة عبرالتاريخ.       

اللقاء الذي جمع جلالة السلطان مع شيوخ وأعيان مسندم في سيح المحاسن، كان مُثمرًا وناجحًا بكل المقاييس، فكان حديثًا من القلب إلى القلب، وغمرت بشائر الخير الجميعَ، وأسعدت المواطنين بما حملته هذه الزيارة السامية من مشاريع عملاقة لنقل مسندم نقلة نوعية نحو مصاف حواضر ومدن المنطقة. ولعل المطار الجديد الذي سيفتح أبوابه لمختلف المحطات الدولية والإقليمية وكذلك طريق (خصب – ليما- دبا) الذي سيكون أعجوبة هندسية وسط الجبال الشامخة؛ بطول 70 كيلومترًا وبتكلفة 151 مليون ريال عُماني؛ من أهم المشاريع الجديدة التي استبشر بها أبناء المحافظة خيرا. لذا نقول إن هناك ارتباطًا وثيقًا على الدوام بين هذا القائد المحب لشعبه والتنمية الشاملة التي تلامس الأفئدة وتكسب رضا الشعب، فأين ما حل (هيثم) فهو كالغيث الذي تخضر له الصحاري وتنبت بحضوره الأرض الجدباء.

إن أكثر ما لفت انتباهنا جميعًا خلال جولة مسندم؛ هو الثناء والإشادة السلطانية من لدن جلالة السلطان بمحافظ مسندم معالي السيد إبراهيم البوسعيدي، ذلك لكونها أتت إلى مسامعنا عبر شاشات التلفزيون مباشرةً، وهي إشادة غير مسبوقة بين السلطان وكبار المسؤولين في الدولة، والسيد إبراهيم واحد من القيادات الشابة التي حققت إنجازات وطنية على أرض الواقع، وهو محل فخر لنا جميعًا.

لا شك أنَّ نموذج محافظ مسندم جدير بالاطلاع عليه بالنسبة لبعض المحافظين الذين أخفقوا في فهم المرحلة الجديدة وما تحمله من مسؤوليات وطنية واختصاصت جديدة جعلت من المحافظ بمثابة رئيس وحدة من خلال قانون المحافظات، والذي يعد ثمرة من ثمار النهضة العمانية المتجددة والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على المركزية الشديدة التي كانت سائدة في أروقة الحكومة ومؤسساتها التي تصنع القرار التنموي.

ومن المؤسف حقًا أن تجد من المسؤولين من يحب الظهور وتكون أولوياتهم في معظم أيام الأسبوع التخنجر ورعاية الحفلات والمناسبات وإغلاق أبواب المكاتب أمام المراجعين! حتى ولو كان ذلك على حساب العمل الجاد وتطوير المحافظة والتعرف على معاناة الناس اليومية، فترتب على ذلك عدم فهم اختصاصات المجالس البلدية أو حتى فهم أدوار الأعضاء في هذه المرحلة على الرغم من ارتفاع سقف المنظومة القانونية المتعلقة بالصلاحيات الجديدة؛ التي هي في واقع الأمر تشمل معظم المشاريع والخطط الاستراتيجية المتعلقة بكل محافظة التي تعد المجلس البلدي رأس حربة والعمود الفقري للتنمية المحلية التي خُصصت لها 20 مليون ريال عماني في كل محافظة، والتقاعس عن الاستفادة من المجتمع المحلي الذي هو في الأساس شريك لا غنى عنه في تخطيط وتنفيذ المشاريع في الولايات التابعة للمحافظ ذلك لكون المجتمع هو هدف التنمية الأساسي.

وفي الختام.. لقد تشرفت بكتابة مقال في مطلع العام الماضي 2023 عبر هذه النافذة بعنوان: "دعوة إلى مزيد من الصلاحيات للمحافظين"، وتضمن ذلك المقال الخلاصة الآتية "لا يمكن أن تنطلق اللامركزية وتحقق أهدافها المرسومة لها إلا بتمكين المحافظين من وضع خططهم المستقبلية وتنفيذها دون موافقات من السلطات العليا وخضوعهم لحُرّاس بوابات معينة، قد يؤخِّرون الخطط أو يعطّلونها لأسباب تتعلق بالموارد والمخصصات المالية، فتلك هي المركزية التي لا نريدها على الإطلاق".

وأخيرًا.. إنَّ من حسن الطالع أن تأتي البشرى هذه المرة من المقام السامي ومن محافظة مسندم بالتحديد؛ إذ قال جلالته خلال حديثه لأبناء مسندم "العمل جارٍ لمنح المحافظات المزيد من الصلاحيات خلال الفترة القادمة".

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري